مع ختام عام 2008 دشّنت اسبانيا في جزر الكناري التلسكوب غرانتكان ليصبح الاكبر في العالم، متفوقا بذلك على التلسكوب الامريكي كك الذي انشيء في جزر هاواي في تسعينات القرن الماضي (وهو في الواقع عبارة عن تلسكوبين متماثلين قطر مرآة كل منهما 10 امتار) بينما يبلغ قطر مرآة التلسكوب الاسباني 4,10 مترا، ويزن اكثر من 350 طنا . ويصل طول انبوبه المصنوع من الفولاذ والالمنيوم الى 20مترا.
ورغم ان قطر مرآة التلسكوب الاسباني يزيد عن قطر مرآة الامريكي بأربعين سنتمترا فقط، فان هذا يعد انجازا رائعا. وسبب ذلك هو الصعوبة البالغة الكامنة في صنع هذه المرآة، التي يبلغ وزنها 25 طنا، ويتطلب تصنيعها رفع درجة حرارة الزجاج الى 1000 س ثم تبريده ببطء على مدى سنة كاملة.
وللتغلب على تعقيدات تصنيع مرآة بهذا الحجم، فقد لجأ الاسبان الى تجزئة المرآة الى 36 قطعة تجمع معا فيما بعد.
تتمتع اسبانيا بمواقع مناسبة تماما للرصد الفلكي. وهذا ما كان دائما يغري الدول الاوروبية الاخرى باقامة مراصدها الفلكية في اسبانيا، سواء كان ذلك في الاندلس او في جزر الكناري. لكن الفلكيين الاسبان لم يكونوا يحصلون الا على فترات محدودة للرصد الفلكي بواسطة هذه التلسكوبات الاوروبية. ولعل هذا كان احد الاسباب التي دفعتهم الى انشاء هذا التلسكوب الضخم ليكون انتاجا اسبانيا على ارض اسبانية.
تتميز جزر الكناري، وبالذات جزيرة لا بالما التي اقيم عليها التلسكوب ،بسمائها الصافية التي تسمح باجراء رصد فلكي خلال اكثر من 300 ليلة في السنة. يبلغ ارتفاع الموقع 2400 مترا وهو يجاور فوهة بركان خامد عمقها نحو 1500 متر.
تعاون اوروبي
يمثل مرصد غرانتكان احدى ثمار التعاون والتميز التكنولوجي الاوربي. وقد ساهمت كل من ولاية فلوريدا الامريكية والمكسيك بنسبة 5% من الكلفة التي بلغت 130 مليون يورو. ومقابل هذه المساهمة استحقت كل منهما حصة قدرها 5% من زمن الرصد.
وقد تشاركت مؤسسة شط الالمانية وساغم الفرنسية في صنع المرآة الضخمة. والواقع ان هاتين المؤسستين تتكفلان بصنع معظم مرايا الرصد الكبيرة في العالم.
وحتى ندرك مدى الدقة الهائلة التي نفذت فيها المرآة، يكفي ان نعرف ان دقة السطح تبلغ بضعة اعشار من النانومتر (جزء من المليار من المتر او جزء من المليون من الملمتر) وحتى ندرك مدى هذه الدقة، تخيل ان المرآة اصبحت بمساحة الاردن، فان سطحها قد تظهر عليه نتؤات ارتفاعها 2 ملم كحد اقصى.
سيكشف المرصد غرانتكان قريبا عن قدراته الهائلة، لان قوانين الضوء تنص على انه كلما كبرت مرآة المرصد كلما زاد الميز، اي قدرتها على تمييز التفاصيل الدقيقة في الاجرام الفلكية البعيدة.
تحتوي المرآة على 36 قطعة مستقلة. وتتحرك كل من المرايا الجزئية بفضل 3 محركات خادمة تحدد في كل ثانية شكل هذا الجزء وموضعه. ويرتبط كل جزء مع الاجزاء المجاورة بوسائل تقنية معقدة، والمحصلة ان المرآة تغير شكلها 200 مرة في الثانية حتى تصحح التشوهات الناتجة عن اضطرابات الغلاف الجوي.
يظهر المرصد غرانتكان قدرته الفائقة في مجال الاشعة تحت الحمراء. ويتوقع ان يحقق في هذا الطيف من الاشعة دقة افضل بنحو 4-10 مرات من التلسكوب الفضائي هبل. ويأمل الفلكيون ان يمكنهم هذا التلسكوب الجبار من تحقيق فهم افضل لكيفية ولادة النجوم وكيف تشكلت انظمة الكواكب في رحم السديم ،اي سحب الغاز والغبار بين النجوم.
وتأمل اسبانيا ان يكون هذا الانجاز مساعدا على اختيار اسبانيا موقعا للتلسكوب الاوربي العملاق والفائق الحجم والذي سيبلغ قطره 42 مترا، ويتنافس على استضافته حاليا كل من المغرب والارجنتين وتشيلي واسبانيا.
0 comments:
إرسال تعليق
يقول الله تعالى:( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ). أستغفر الله وأتوب إليه.
نتشرف اخي اختي الزائر(ة)بوضع بصمتك في المدونة بتعليق،و الابلاغ على
اي رابط لا يعمل (صورة ، فيديو ، او روابــــط تحميل...)