إن من يدرس تركيب القلب والطريقة التي يعمل من خلالها لا مفر له إلا أن يعترف بوجود صانع لا حدود لعلمه وقدرته يقف وراء تصنيع هذا القلب الأعجوبة. فهذه المضخة اللحمية التي لا يتجاوز وزنها ثلث كيلوغرام تعمل بدون توقف لما يزيد عن مائة عام وتضخ خلالها من الدم ما يساوي 250 ألف متر مكعب.
إن الذي ينظر إلى صور القلب فقط من جوانبه المختلفة يجد فيها لوحات فنية رائعة لا يمل الإنسان من النظر إليها. أما تركيب القلب من الداخل فإن فيه من عجائب التصميم ما لا يخطر على بال أذكى المشتغلين في تصميم المضخات الميكانيكية. إن مجرد وجود الصمامات في القلب تدحض فرية أنه قد تم تصنيعه بالصدفة فالمبدأ الذي يقوم عليه عمل الصمامات تحتاج لقوة عاقلة لكي تكتشفه وأن خطأ بسيطا في تركيب الصمام سيحول دون عمل القلب بالشكل المطلوب.
أما تصميم حجرات القلب وتحديد سعاتها وقوة عضلاتها والأوعية الدموية التي تخرج منها وتصميم مولدات الإشارة الكهربائية والمسارات التي تتبعها للوصول لعضلات القلب والتي تجعل القلب ينبض بلا توقف فإن فيها من الأسرار ما يدعو إلى الدهشة. أما الأوعية الدموية التي توصل الدم الذي يضخه القلب لكل خلية من خلايا الجسم فإن في أحجامها وأطوالها وتركيبها والمسارات التي تتبعها في الجسم من الأسرار ما يبعث على العجب. أما الأسرار الموجودة في مكونات الدم والوظائف التي تقوم بها فإنها تحتاج لعلماء ملهمين في تخصصات مختلفة لكي يتمكنوا من فهمها وكشفها.
يأتي الجهاز الدوري من حيث الأهمية والتعقيد بعد الجهاز العصبي حيث أن تعطل القلب عن العمل كما هو الحال مع تعطل الدماغ يؤديان لا محالة إلى موت الكائن الحي. وهناك بعض التشابه العام في تركيب الجهازين فالقلب يقابله الدماغ والأوعية الدموية تقابلها الألياف العصبية والدم يقابله الإشارات العصبية.
وإذا كان الجهاز العصبي هو الحاسوب الذي يتحكم بعمل جميع أجهزة الجسم فإن الجهاز الدوري هو المحرك الذي يؤمن الطاقة لكل خلية من خلايا الجسم. وبما أن عملية حرق المواد العضوية للحصول على الطاقة تتم في داخل كل خلية من خلايا الجسم فإن مهمة الجهاز الدوري الرئيسية هو تأمين كل خلية بما تحتاجه من مواد عضوية وأكسجين ولا يقتصر دور الجهاز الدوري على هذه المهمة فقط بل يقوم بوظائف أخرى بالغة الأهمية للجسم حيث تم استغلال وصول الدم لكل خلية لإيصال وجلب مواد أخرى منها.
ومن أهم هذه الوظائف تأمين الخلايا بالماء الذي هو أساس حياة الخلية ولكن بالقدر المطلوب حيث يعمل الدم على حفظ توازن الماء في الجسم بحيث تتساوى كمية الماء التي يحصل عليها عن طريق الشراب والطعام مع تلك التي يفقدها عن طريق التبول والتعرق من خلال قيام الدم بحمل الماء الزائد إلى أجهزة الإخراج وهي الكلى والجلد. ويقوم الدم كذلك بتخليص الجسم من النفايات الضارة الناتجة عن عملية الاحتراق وخاصة ثاني أكسيد الكربون والبولينيا من خلال الرئتين والكلى. ويقوم الدم بالحفاظ على درجة حرارة ثابتة للجسم من خلال نقل الحرارة المتولدة في الخلايا نتيجة لعملية الاحتراق إلى الجلد ليقوم بتشتيتها في الجو المحيط بالجسم. وبما أن الجهاز الدوري يوصل الدم لكل خلية من خلايا الجسم فقد تم استغلاله للقيام بوظيفة الدفاع عن هذه الخلايا ضد الميكروبات كالبكتيريا والفيروسات حيث يوجد في الدم خلايا الدم البيضاء والأجسام المضادة التي تقوم بمهاجمة هذه الميكروبات والقضاء عليها. وقد تم أيضا استغلال هذه الخاصية للجهاز الدوري لنقل الهرمونات إلي مختلف أعضاء الجسم.
الشكل يبين الجهاز الدوري في جسم الإنسان والذي يشكل القلب المحور الأساسي له |
ولكي يقوم الجهاز الدوري بوظائفه المختلفة فلا بد من ربطه بعدد كبير من أجهزة الجسم فهو أكثر أجهزة الجسم ارتباطا ببقية الأجهزة. فهو مرتبط بالجهاز الهضمي من خلال الأمعاء الدقيقة والغليظة والتي تزود الدم بالمواد العضوية الأولية والماء. وهو مرتبط بالكبد والذي يقوم بتزويد الدم بالمواد العضوية التي يقوم بتصنيعها من المواد الأولية التي استلمها من الأمعاء الدقيقة. وهو مرتبط بالرئتين اللتين تزودان الدم بالأكسجين وتنظفانه من ثاني أكسيد الكربون. ويرتبط بالكليتين والجلد والتي تقوم بتخليص الدم من الفضلات المختلفة والماء الزائد عن حاجة الجسم. وهو مرتبط بالجهاز الهرموني الذي يستخدم الدم لنقل مختلف أنواع الهرمونات إلى الجسم. وهو مرتبط بشكل كبير بالجهاز اللمفاوي والذي يعتبره بعض العلماء جزء من الجهاز الدوري.
وهو مرتبط بمختلف عظام الهيكل العظمي حيث يقوم نخاع هذه العظام بتصنيع خلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية وتزويد الدم بها. وهو مرتبط بالطحال الذي يقوم بوظائف عدة فهو يعمل كخزان للدم المركز حيث يقوم بتزويد الجهاز الدوري بالدم عند نقصانه ويعمل على تنقية الدم من الميكروبات ومن خلايا الحمراء الميتة ويقوم بتزويد الدم بخلايا الدم البيضاء. ويرتبط القلب كذلك بالدماغ والحبل الشوكي حيث يتم تنظيم معدل نبضات القلب حسب حالة الجسم وذلك من خلال الألياف العصبية الودية وغير الودية. أما الوظيفة التي يجهلها أكثر الناس ولم يكتشفها العلماء إلا حديثا ولا زالت الأبحاث تجري لكشف أسرارها فهي أن القلب يحتوي على مراكز عصبية غير تلك المسؤولة عن التحكم بنبضه ترتبط بالمراكز العصبية في الدماغ وتجري في هذه المراكز العصبية القلبية بعض الوظائف التي كان العلماء يظنون أنها تجري في داخل الدماغ كالمشاعر والأحاسيس وغيرها.
يتكون الجهاز الدوري من ثلاثة مكونات رئيسية وهي القلب والأوعية الدموية والدم. فالمكون الأول هو القلب والذي يعمل كمضخة ميكانيكية تقوم بضخ الدم إلى مختلف أنحاء الجسم ويبلغ متوسط وزنه في الإنسان ثلث كيلوغرام ولا يتجاوز حجمه حجم قبضة اليد. ويقع القلب خلف عظمة القص في منتصف القفص الصدري مع ميلان بسيط لأعلاه إلى الجهة اليسرى من القفص فيما بين الرئتين. وبما أن القلب جسم دائم الحركة النبضية فإنه يلزم إيجاد طريقة ذكية تمكن من وضعه فيما بين بقية الأعضاء ولكن دون أن يحتك بها حيث أن هذا الاحتكاك سيحول دون عمل القلب بالشكل المطلوب. وكان الحل الفريد من خلال إحاطة القلب بغلاف على شكل كيس يسمى غشاء التامور والذي يتكون من جدارين ناعمين خاصة الداخلي منها ويملأ ما بينهما سائل لزج يسمح للقلب بالنبض بحرية تامة دون الاحتكاك بالأعضاء المحيطة به وللتدليل على أهمية هذا الغشاء فإن التهاب بسيط يصيبه يسبب مشاكل جمة للشخص المريض.
والقلب عبارة عن نسيج عضلي مجوف مقسوم إلى تجويفين يفصل بينهما حاجز سميك خاصة عند جزئه السفلي ويوجد في كل تجويف حجرتان حجرة علوية تسمى الأذين وحجرة سفلية تسمى البطين وبهذا يوجد في القلب أربع حجرات أذينان وبطينان. ولأسباب ستتضح فيما بعد نجد أن سماكة جدار البطينان أكبر بكثير من سماكة جدار الأذينان وسماكة جدار البطين الأيسر قد تصل لثلاثة أضعاف سماكة جدار البطين الأيمن.
وتنفتح حجرتي النصف الأيمن وكذلك حجرتي النصف الأيسر على بعضهما من خلال صمام يسمح بمرور الدم من الأذين إلى البطين فقط ويسمى الصمام بين الأذين والبطين الأيمنان بالصمام الثلاثي الشرف بينما يسمى الصمام بين الأذين والبطين الأيسران بالصمام التاجي أو ثنائي الشرف. ويتكون هذان الصمامان من قطع غضروفية مسطحة مثبتة في حلقة ليفية في جدار القلب وترتبط الأطراف الحرة لهذه القطع بحبال وترية تمتد داخل البطينين.وفي حالة انبساط البطينين فإن هذه الحبال تكون مشدودة وتقوم بفتح الصمامات أما في حالة انقباض البطينين فإن الحبال ترتخي وتعود الصمامات لوضع الإغلاق.
ويعود السبب في استخدام هذه الحبال لفتح هذين الصمامين لكون ضغط الدم في الأذينين عند انقباضهما لا يكفي لفتحهما وهذا الحل يمثل منتهى الإبداع تعجز أكبر العقول من الاهتداء إليه. وتنفتح كل حجرة من هذه الحجر الأربع على وعاء دموي أو أكثر حيث يطلق على الأوعية المتصلة بالبطينين اسم الشرايين وعلى الأوعية المتصلة بالأذينين اسم الأوردة. فالبطين الأيسر ينفتح على شريان واحد وهو الشريان الأبهر أو الأورطي وذلك من خلال صمام يسمح بمرور الدم من البطين الأيسر إلى الشريان الأبهر وهو الصمام الأبهري.
أما البطين الأيمن فينفتح على شريان واحد أيضا وهو الشريان الرئوي من خلال صمام يسمح بمرور الدم من البطين الأيمن إلى الشريان الرئوي وهو الصمام الرئوي. ويتكون كل من هذين الصمامين من ثلاث قطع غضروفية تشكل قرصا يكون مغلقا في الوضع الطبيعي ولا تنفتح إلا عند الضغط العالي للدم وذلك عند انقباض البطينين ولا تحتاج هذه الصمامات إلى حبال كما في الصمامات السابقة بسبب توفر قوة ضغط الدم. أما الأذين الأيمن فينفتح على وريدين بدون صمامات وهما الوريد الأجوف العلوي الذي يدخل الأذين من أعلاه والوريد الأجوف السفلي الذي يدخل الأذين من أسفله.
وأما الأذين الأيسر فينفتح على أربعة أوردة وبدون صمامات كذلك وهي الأوردة الرئوية حيث يخرج من يمين الأذين وريدان يذهبان للرئة اليمنى ويخرج من يسار وريدان يذهبان للرئة اليسرى . وعلى هذا يوجد في القلب أربعة حجرات وأربعة صمامات ويخرج منه ثمانية أوعية دموية منها شريانين اثنين وستة أوردة وسنبين فيما بعد الحكمة من أن عدد الأوردة يزيد على عدد الشرايين.
أما المكون الثاني فهي الأوعية الدموية وقد تم تقسيمها إلى ثلاثة أنواع وهي الشرايين والأوردة والشعيرات الدموية. فالشرايين تقوم بنقل الدم من القلب إلى مختلف أعضاء الجسم وهي ذات جدار عضلي سميك مكون من ثلاث طبقات لكي تتحمل الضغط العالي عند ضخ القلب للدم من خلالها. والطبقة الوسطى من طبقات جدار الشرايين ذات طبيعة مرنة حيث يتمدد الشريان عند مرور الدم عالي الضغط ويتقلص بعد مروره مما يساعد على دفع الدم إلى الأمام ويحافظ على ضغطه على طول الشريان. أما الأوردة فتقوم بنقل الدم من مختلف أنحاء الجسم إلى القلب وهي ذات جدار ذي ثلاث طبقات ولكنها رقيقة نسبيا وغير عضلية حيث يمر الدم من خلالها عند ضغط منخفض.
وبما أنه لا يوجد مضخة تقوم بضخ الدم الموجود في الأوردة إلى القلب فقد أبدع الله سبحانه وتعالى آليات عجيبة لإرجاع الدم إلى القلب خاصة الدم الموجود تحت مستوى القلب حيث أن الجاذبية تمنعه من الصعود إلى القلب. وقد تم التغلب على هذه المشكلة من خلال طريقة فريدة لا يمكن أن تخطر على بال البشر وهي وضع صمامات في داخل معظم الأوردة بحيث تسمح بمرور الدم باتجاه القلب ولا تسمح برجوعه إلى الخلف.
الشكل يبين صمامات القلب التي تتحكم في دخول الدم إلى القلب |
ولكن وجود الصمامات لا يعني أن الدم سيتحرك من تلقاء نفسه باتجاه القلب بل يحتاج لمن يحركه وهنا تتجلى قدرة الخالق سبحانه وتعالى في إيجاد الآلية التي تقوم بذلك وهي عضلات الجسم المختلفة فعندما تتحرك هذه العضلات فإنها تضغط على الأوردة ولا سبيل للدم إلا أن يتحرك إلى الأمام بسبب وجود الصمامات التي تمنعه من التحرك للخلف. وأما الشعيرات الدموية فهي التفرعات النهائية للشرايين والتفرعات الابتدائية للأوردة وتشكل ما نسبته 90 بالمائة من مجموع الأوعية الدموية وهي عبارة عن أنابيب رقيقة لا يتجاوز قطرها عشرة ميكرومترات ولذا فهي لا ترى بالعين المجردة.
ويتكون جدار الوعاء الشعري من طبقة واحدة فقط من الخلايا الطلائية وذلك لكي تسمح بانتشار الغذاء والأكسجين من الدم إلى الخلايا المحيطة به وانتشار ثاني أكسيد الكربون والنفايات الضارة من الخلايا إلى الدم. وكما ذكرنا سابقا فإنه يخرج من القلب شريانان وهما الشريان الأبهر أو الأورطي الذي يحمل الدم المؤكسد الذي يضخه البطين الأيسر إلى جميع أنحاء الجسم والشريان الرئوي الذي يحمل الدم غير المؤكسد الذي يضخه البطين الأيمن إلى الرئة.
ويعتبر الشريان الأبهر أوسع الأوعية الدموية في الجسم حيث يبلغ قطره بوصة واحدة (2.56 سنتيمتر) وعندما يخرج الأبهر من أعلى القلب فإنه يتقوس لينزل من خلف القلب إلى الأسفل. ويتفرع من الأبهر قبل تقوسه الشرايين التاجية التي تغذي عضلة القلب ويتفرع منه عند أعلى القوس الشرايين التي تغذي الرأس والرقبة والذراعين ومن ثم يبدأ بالتفرع تدريجيا بعد القوس ليغذي مختلف أعضاء الجسم. أما الشريان الرئوي فإنه يتفرع بمجرد خروجه من القلب عند أعلاه إلى فرعين رئيسين يذهبان إلى الرئتين لتقوما بتخليص الدم من ثاني أكسيد الكربون وتزويده بالأكسجين. أما الأوردة التي تدخل القلب فهي الوريدان الأجوفان العلوي والسفلي اللذان يجلبان الدم غير المؤكسد من جميع أنحاء الجسم وتصبه في الأذين الأيمن والأوردة الرئوية الأربع التي تجلب الدم المؤكسد من الرئتين فتصبه في الأذين الأيسر.
ويعود السبب في وجود ستة أوردة تدخل القلب مقابل شريانين يخرجان منه إلى أن الدم يتحرك في الشرايين من خلال ضخ القلب له أما في الأوردة فلا يوجد ما يضخ الدم فيها بل يتم رجوع الدم من خلال الآلية التي شرحناها آنفا والتي تزداد فعاليتها كلما قل قطر الوريد. وتتفرع الشرايين والأوردة الرئيسية تفرعات كثيرة بحيث يمكنها الوصول إلى جميع خلايا الجسم وهي أشبه ما تكون بشبكة توزيع المياه في المدن باستخدام الأنابيب أو المواسير التي تبدأ بمواسير كبيرة قد يزيد قطرها عن المتر وتنتهي بمواسير قطرها نصف بوصة عند المنازل. ويبلغ معدل مجموع أطوال الأوعية الدموية في جسم الإنسان 97 ألف كيلومتر وللمقارنة مع شبكات المياه فإن مجموع طول المواسير في شبكة مياه مدينة القاهرة على سبيل المثال يبلغ 20 ألف كيلومتر تؤمن الماء لخمسة عشر مليون نسمة.
إن الإعجاز في الأوعية الدموية ليس في طولها الهائل فقط ولكن في أنها تعمل لما يزيد عن مائة عام دون أن يصيبها السدد رغم صغر أقطارها ورغم أن ما يجري في داخلها ليس ماء صافيا بل مشبع بمختلف المواد العضوية والأملاح وغيرها مع العلم أن انسداد أحد الشرايين في بعض الأعضاء الحساسة كالقلب والدماغ يؤدي إلى موت الإنسان أو إصابته بعاهة مستديمة. أما المعجزة الكبرى في الأوعية الدموية فهي في طريقة تحديد عدد وأطوال وأقطار وأماكن تفرع هذه الأوعية لكي تضمن وصول الغذاء والأكسجين إلى كل من خلايا الجسم. أما الطريقة التي تم من خلالها تمديد هذا العدد الهائل من الأوعية الدموية في الجسم فهي معجزة المعجزات التي عجزت عقول العلماء من فك ألغازها كما هو الحال مع تمديد الألياف العصبية في الجسم كما ذكرنا في مقالة الدماغ.
صورة مجهرين للسائل الدموي تظهر فيها كريات الدم الحمراء وكريات الدم البيضاء |
أما المكون الثالث فهو الدم وهو سائل احمر اللون تبلغ كميته في جسم الإنسان البالغ ما بين خمسة وستة ليترات ويقوم القلب بتدوير هذه الكمية في الجسم خلال دقيقة واحدة في حالة الراحة وأقل من ذلك في حالة النشاط. ويتكون الدم من أربعة مكونات رئيسية وهي البلازما وكريات الدم الحمراء وخلايا الدم البيضاء والصفائح الدموية. فالبلازما هي محلول مائي شفاف مائل إلى الصفرة ويشكل 55 بالمائة من الدم وتتكون من الماء الذي يشكل 90 بالمائة منها ومن بروتينات البلازما التي تحافظ على الضغط الأسموزي للدم لكي لا يتسرب لأنسجة الجسم ومن المواد العضوية القادمة من الأمعاء الدقيقة والكبد كالجلوكوز والأحماض الأمينية والدهنية والأملاح غير العضوية كالصوديوم والبوتاسيوم والماغنسيوم والكالسيوم وإفرازات الغدد الصماء والنفايات التي تنتجها الخلايا عن عملية الاحتراق. أما كريات الدم الحمراء فهي أجسام قرصية الشكل مقعرة من الجانبين ولا تحتوي على نواة ويبلغ قطرها 7.5 ميكرومتر ويبلغ متوسط عددها في الملليمتر المكعب الواحد خمسة ملايين كرية. ويتم تصنيع هذه الكريات في نخاع العظام ويبلغ متوسط عمرها 120 يوما ويتم تدمير الهرمة منها في الطحال والكبد.
وتشكل مادة الهيموجلوبين 90 بالمائة من وزن الكرية وهي التي تعطي اللون الأحمر للدم وهي تقوم بنقل الأكسجين من الرئة إلى خلايا الجسم لإتمام عملية الاحتراق فيها ونقل ثاني أكسيد الكربون من الخلايا إلى الرئة.
وهذه الخاصية من أعجب خصائص كريات الدم الحمراء فهي تذهب إلى خلايا الجسم محملة بالأكسجين ويكون لون الدم أحمر قاني فترمي بهذا الحمل عند الخلية وتقوم بحمل ثاني أكسيد الكربون فيتحول لون الدم إلى أحمر مزرق وتقفل راجعة لتلقي به في الرئة وهكذا دواليك. أما خلايا الدم البيضاء فتحتوي على نواة وذلك على عكس خلايا الدم الحمراء ويتراوح عددها في الملليمتر الواحد بين أربعة آلاف وعشرة آلاف وذلك حسب حالة الجسم. وهي على شكل كرات يتراوح قطرها بين 10 و 20 ميكرومتر ويغطي سطحها حبيبات وهي عبارة عن أنزيمات. ويوجد منها خمسة أنواع رئيسية وهي قصيرة العمر نسبيا فهو يتراوح بين عدة أيام وعدة أسابيع وذلك حسب نوعها.
ويقوم كل نوع من أنواع الخلايا البيضاء بوظيفة معينة كالتهام الميكروبات وتوليد الأجسام المضادة ومنع تجلط الدم وتوسيع الأوعية الدموية. أما الصفائح الدموية فهي قطع من السيتوبلازم ذات أشكال غير منتظمة ولا يتجاوز قطرها ثلاثة نانومترات ويتراوح عددها بين 150 و 400 ألف صفيحة في المللي لتر المكعب الواحد.
ويتم إنتاج هذه الصفائح في نخاع العظام ويبلغ متوسط عمرها عشرة أيام ووظيفتها الرئيسية العمل على تخثر أو تجلط الدم لوقف عملية نزف الدم من الأوعية الدموية عند تعرضها للتمزق من خلال ارتباط هذه الصفائح ببعضها البعض. ومن عجائب هذه الصفائح أنها لا ترتبط ببعضها وهي في داخل الدم رغم عددها الهائل ولكن بمجرد حدوث نزف فإنها تبدأ بالارتباط ببعضها لإغلاق مكان النزيف.
يعمل القلب كمضخة للدم من خلال الانقباض والارتخاء المتعاقب لعضلاته المختلفة بتزامن منقطع النظير وبمعدل معين يبلغ في المتوسط 75 نبضة في الدقيقة عند الإنسان البالغ ولكن معدل النبض يزيد وينقص عن المعدل تبعا لحالة وطبيعة الجسم. ويضخ القلب الدم بمعدل 60 مللي لتر في كل نبضة من نبضاته أي ما يعادل خمسة لترات في الدقيقة عندما يكون الجسم في حالة الراحة وتزداد كمية الضخ كلما زادت حركة الجسم وقد تصل إلى ثلاثة أضعاف الكمية الطبيعية. وبسبب هذا الجهد الكبير الذي يبذله القلب فإنه يستهلك ما يقرب من سبعة بالمائة من كامل الأكسجين الذي يحمله الدم رغم أن وزنه لا يتجاوز نصف بالمائة من وزن الجسم.
وعندما ينقبض القلب فإن عضلاته لا تنقبض في نفس اللحظة فأول ما يبدأ بالانقباض عضلات الأذينين فيفرغان ما تبقى فيهما من دم في البطينين. وبعد مرور ما يقرب من عشر ثانية تنقبض عضلات البطينين ابتداء من عضلاتها السفلى وترتخي عضلات الأذينين فتنغلق الصمامات التي بين البطينات والأذينات وينفتح كل من الصمام الأبهري والصمام الرئوي فيندفع الدم المؤكسد بقوة من البطين الأيسر إلى جميع أنحاء الجسم والدم غير المؤكسد من البطين الأيمن إلى الرئة.
وفي الحقيقة فإن القلب يحتوي على أربع مضخات مضختين ضعيفتين تدفعان الدم من الأذينات إلى البطينات ومضختين قويتين أحدهما تدفع الدم من البطين الأيسر إلى مختلف أنحاء الجسم وهي الأقوي والأخرى تدفع الدم من البطين الأيمن إلى الرئة فقط.
وفي حالة ارتخاء القلب يكون ضغط الدم في داخله أقل من ضغط الدم في الأوردة والشرايين فينغلق الصمام الأبهري والصمام الرئوي وينفتح الصمامان الأخريان فيملأ الدم غير المؤكسد العائد من الجسم الأذين الأيمن ثم ينساب إلى البطين الأيمن ويملأ الدم المؤكسد العائد من الرئتين الأذين الأيسر ثم ينساب إلى البطين الأيسر.
وعلى هذا فإن هناك دورتان لحركة الدم أكبرها الدورة الدموية الكبرى وفيها يخرج الدم المؤكسد من البطين الأيسر إلى جميع أعضاء الجسم ثم يعود دما غير مؤكسد إلى الأذين الأيمن وأصغرها الدورة الدموية الصغرى وفيها يخرج الدم غير المؤكسد من البطين الأيمن إلى الرئة ثم يعود دما مؤكسدا إلى الأذين الأيسر.
إن من أعجب أسرار الجهاز الدوري أنه يضمن وصول الدم لجميع أعضاء الجسم كل حسب حاجته على الرغم من أن بعض أعضاء الجسم تقع فوق مستوى القلب وبعضها أسفله وبعض الشرايين أوسع من غيرها ومن المفترض في هذا الحال أن يكون نصيب الأعضاء السفلى من الدم أكثر من الأعضاء العليا بسبب فعل الجاذبية. لقد تم التغلب على هذه المشكلة من خلال طريقة بالغة الذكاء وهي إبقاء ضغط الدم في الشريان الأبهر أعلى من قيمة معينة وهي في الإنسان الطبيعي 80 مللم زئبق وهذا الضغط كافي لإيصال الدم لجميع أعضاء الجسم.
وفي هذا الحال يلزم للبطين الأيسر أن يضخ الدم بضغط أكبر من هذه القيمة لكي يتمكن من فتح الصمام الأبهري وإمداد الشرايين بدم جديد وهذا ما تم بالفعل فإن ضغط الدم في البطين الأيسر عند انقباضه يبلغ 120 مللم زئبق.
يتم تحريك عضلات القلب بشكل دوري من خلال مجموعة من العقد العصبية المزروعة في داخل جدرانه ومن أهم هذه العقد العقدة الجيبية وهي عقدة عصبية كبيرة موجودة في الجدار العلوي للأذين الأيمن بجانب الوريد الأجوف العلوي. وتعمل هذه العقدة كمولد للذبذبات حيث تقوم بتوليد نبضات عصبية كهربائية بمعدل منتظم يتراوح بين 60 و 80 نبضة في الدقيقة في الإنسان البالغ. ويتم نقل هذه النبضات من خلال ألياف عصبية إلى مجموعة من العقد العصبية التي تتحكم بمختلف عضلات القلب فتنقبض وتنبسط تبعا لهذه النبضات بتسلسل محسوب بدقة بالغة لكي تتم عملية ضخ الدم بكفاءة عالية.
ومن أهم هذه العقد العقدة الأذينية البطينية التي تقع في الجدار الفاصل بين الأذين والبطين الأيمنان وكذلك العقدة المسماة بحزمة هيس والتي تقع في الجدار الفاصل بين البطينين. ونظرا لخطورة تعطل العقدة الجيبية عن عملها في توليد النبضات فإن النظام العصبي في القلب قد تم تصميمه بحيث تحل أحد العقد العصبية فيه وهي العقدة الأذينية البطينة محل العقدة الجيبية في توليد النبضات ولكن بمعدل يتراوح بين 40 و 60 نبضة في الدقيقة وفي حال تعطل هذه الأخيرة تستلم عقدة عصبية ثالثة وهي حزمة هيس هذه المهمة ولكن بمعدل يتراوح بين 20 و 30 نبضة في الدقيقة.
وترتبط العقدة الجيبية بمراكز الدماغ والحبل الشوكي من خلال الألياف العصبية الودية وغير الودية وذلك لرفع أو خفض معدل النبضات تبعا لنشاط الجسم أو غير ذلك من المؤثرات الخارجية والداخلية. وكما ذكرنا سابقا فإن توليد النبضة الكهربائية في العقدة الجيبية وتوقيت وصولها إلى مختلف عضلات القلب يتطلب تقديرا بالغا لكي تعمل المضخات الأربع في القلب بشكل صحيح.
وكما يتضح من الشكل المرفق فعندما تقوم العقدة الجيبة بتوليد النبضة الكهربائية فإنها تنتشر في الحال في عضلات الأذينين فينقبضا ليفرغا ما تبقى فيهما من دم في البطينين. وأثناء ذلك تكون النبضة قد سرت باتجاه العقدة الأذينية البطينية من خلال ثلاث مسارات فتصلها بعد مرور 30 مللي ثانية وتقوم هذه العقدة بتوليد نبضة كهربائية ولكن بعد تأخير زمني يبلغ 100 مللي ثانية أي أن النبضة ستتولد بعد مرور 130 مللي ثانية من حدوث نبضة العقدة الجيبية وخلال هذا الوقت يكون الأذينان قد انبسطا بعد انقباضهما وأكملا مهمتهما.
إن النبضة التي تولدها العقدة الأذينية البطينية تنتشر بسرعة عالية جدا نسبيا في الألياف العصبية المرتبطة بعضلات البطينين فتعمل على انقباضهما بشدة ليضخا ما فيهما من دم إلى الجسم وإلى الرئة. وتستغرق عملية إنقباض البطينين أقل من عشر ثانية بينما يبقى في حالة الإرتخاء أو الراحة لما يقرب من سبعة أعشار الثانية حيث يستجمع القلب خلالها قواه ويحصل على الطاقة اللازمة لإحداث الإنقباض التالي كما هو مبين في مخطط القلب الكهربائي. وعندما نتفحص مسار الألياف العصبية في جدار البطينين نجد أن هذا المسار يعمل على انقباض عضلات أسفل البطينين قبل عضلات الجوانب لكي يضمن ضخ الدم إلى الأعلى ولا ينحبس في داخلهما فسبحان القائل *"صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ " النمل 88.*
0 comments:
إرسال تعليق
يقول الله تعالى:( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ). أستغفر الله وأتوب إليه.
نتشرف اخي اختي الزائر(ة)بوضع بصمتك في المدونة بتعليق،و الابلاغ على
اي رابط لا يعمل (صورة ، فيديو ، او روابــــط تحميل...)