8/10/2010

تاريخ الفلبين القديم


تاريخ الفلبين ضارب في القدم، إذ يرجع استيطان تلك الجزر إلى حوالـي 400,000 إلى 500,000 سنة مضت. وتُعد الهجرات من إندونيسيا وماليزيا منذ نحو سنة 3000ق.م إلى جزر الفلبين من أهم الهجرات إذ إن المؤرخين اليوم يعدون أولئك المهاجرين أسلاف سكان الفلبين الحاليين.

كان سكان جُزر الفلبين حتّى القرن السّادس عشر الميلادي يعيشون في مجموعات صغيرة موزّعة على نحو سبعة آلاف جزيرة، لا يربط بينها رابط، بل عاشت منفصلة بعضها عن بعض، تفصلها الأنهار والبحار والجبال، ولغاتها المتعّددة، وتقاليدها الثقافية والاجتماعية المختلفة. وظلوا على هذه الفُرقة حتّى مجيء الأسبان إلى الفلبين في القرن السادس عشر الميلادي حيث حاول هؤلاء توحيد هذه المجموعات المتباينة عن طريق فرض سلطة مركزيّة قوية، وعن طريق فرض النصرانية الكاثوليكية عليها. وكان من نتائج هذه المحاولة أن قسّم المؤرّخون تاريخ الفلبين إلى فترتين رئيسيّتين هما: الفترة الأسبانية، والفترة السابقة لها.

استمرّ الحكـم الأسبانيّ للفلبين لأكثر من ثلاثمـائة عـام، ـ من سنة 1565 إلى سنة 1898م ـ وانتهى باستقلال البلاد وإقامة أول جمهورية فيها، لكن هذه الجمهورية لم تستمر بسبب الصراع والحروب التي كانت دائرة بينها وبين الأسبان ثم الأمريكيين، والتي انتهت بشراء الولايات المتحدة الأمريكية جُزر الفلبين من الأسبان بمبلغ عشرين مليون دولار أمريكي. حيث بسطت تلك الدولة سيطرتها على الفلبين حتى الغزو الياباني لها في عام 1941م خلال الحرب العالمية الثانية. واستمرت السيطرة اليابانية حتى الرابع عشر من أكتوبر 1943م، وهو التاريخ الذي منحت فيه اليابان الفلبين استقلالها السياسي، وأقامت الجمهورية الفلبينية الثانية؛ لكن سرعان ما عادت الجيوش الأمريكية للفلبين، حيث حاربت اليابانيين وهزمتهم هناك، ثم مُنحت الفلبين استقلالها التام في الرابع من يوليو 1946م. تعاقب على حكم الفلبين بعد هذا التاريخ رؤساء وطنيون عديدون، آخرهم فرديناند ماركوس الذي أزاحت حكمه الفردي ثورة شعبية في عام 1986م، وخلفته كورازون أكينو أول امرأة رئيسة للفلبين، ثم فيدل راموس عام 1992م.


فترة ماقبل الحكم الأسباني
سكن الفلبين قبل خمسين ألف عام أقوام جاءوها من جنوبي الصين، واستقروا قرب البحر والأنهار، وأقاموا حضارة خاصة بهم، لعل أهم مايميزها اعتقادهم في الأرواح وفي سيطرتها على أوجه حياتهم المختلفة، وكذلك اعتقادهم في الحياة بعد الموت، ومعرفتهم ضربًا من الكتابة.
عرفت الفلبين الإسلام أول ماعرفته عن طريق التجار الصينيين المسلمين. وعن طريق بعض الدعاة القادمين من سومطرة مثل الداعية راجا باغندا الذي جاء إلى منطقة سولو في عام 1390م داعيًا إلى الإسلام ووجد استجابة واسعة. وأعقبه داعية آخر ثم ثالث يُدعى أبوبكر من يالمبانغ، وتزوج ابنة راجا باغندا. ولما توفي راجا باغندا صار أبوبكر سلطانًا، وأسس سلطانه على النظام الإسلامي العربي. أما مينداناو فقد أدخل فيها الإسلام الداعية الإسلامي الشريف كابونغسوان. وقبل مجيء الأسبان كان الإسلام قد انتشر في مانيلا وغيرها، وأصبحت مانيلا نفسها دارًا إسلامية، وكان سليمان، حاكم مانيلا، ذا نسب يربطه بسلطان بورنيو. لكن مجيء الأسبان إلى الفلبين حال دون انتشار الإسلام في الجُزُر الأخرى.
الحقبة الأسبانية
الجنرال أميليو أجينالدو
السيطرة الأسبانية.
كان البَحَّار البرتغالي فرديناند ماجلان أول من أقام صلة بين أسبانيا والفلبين، وذلك في عام 1521م، إذ وصل إلى جزيرة سَمَر أثناء رحلته الاستكشافية الشهيرة التي كان يحاول فيها إثبات أن الأرض كروية. فأقام علاقات مع حاكم تلك الجزيرة، وبدأ في نشر النصرانية بين سُكانها، ثم تلت حملة ماجلان حملات استكشافية أخرى أطلقت إحداها اسم الفلبين على تلك الجزر تخليدًا لملك أسبانيا فيليب الثاني، لكن الأسبان لم ينجحوا في إقامة قواعد لهم هناك إلاّ في عام 1562م حيث استطاعوا فرض هيمنتهم، وحولوا الفلبين إلى مستعمرة أسبانية، حيث نشروا النصرانية بين السكان ماعدا السكان المسلمين في إقليم مينداناو، وأدخلوا الحروف الرومانية، والمطبعة وبعض مظاهر حضارتهم الأسبانية الأوروبية، وأهم من ذلك استطاعوا إقامة حكومة مركزية قوية تمكنت من حكم البلاد بفاعلية، وأن تجعل من سكانها أمة واحدة، وقد تركزت المعارضة لحكمهم ولانتشار النصرانية، في أوساط السكان المسلمين في الجنوب الذين ظلوا شوكة في جنب الحكومة الأسبانية التي فشلت في إخضاعهم حتى نهاية حكمها في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.

الجنرال أميليو أجينالدو

وزملاؤه الضباط قاموا بقيادة القوات الفلبينية أثناء ثورة عام 1896م. وقد أسس أجينالدو بعد ذلك جمهورية الفلبين المستقلة وأصبح أول رئيس لها.
نتج عن ازدهار التجارة إبان الحكم الأسباني ظهور طبقة وسطى من المستنيرين الذين تلقّوا تعليمهم في الجامعات الأوروبية، والذين كان لهم الفضل في المناداة بالإصلاح السياسي، ومن بعد ذلك في قيادة الثورات ضد الحكم الأسباني، والعمل على نيل الاستقلال. وقد نجحت إحدى تلك الثورات بمعاونة الأمريكيين في إنهاء الحكم الأسباني في أغسطس 1898م، وإعلان استقلال البلاد، لكن المطامع الأمريكية والرغبة في جعل الفلبين سوقًا جديدة للمنتجات الأمريكية أدت إلى اندلاع الحرب بين أهل الفلبين والجيوش الأمريكية، فكانت الغلبة للأمريكيين؛ حيث استسلم القادة الفلبينيون في عام 1901م، بعد معارك طاحنة أظهروا فيها ضروبًا من الاستبسال.

الحقبة الأمريكية:
كورازون أكينو أصبحت رئيسة للفلبين سنة 1986م، بعد هروب ماركوس من البلاد، وهي أرملة بنينيو أكينو من معارضي ماركوس الذي اغتيل في سنة 1983م
تميزت فترة الحكم الأمريكيّ بالجهود الرامية إلى نشر التعليم بين المواطنين، وتحسين المرافق الصحية والإنمائية، والعمل على إعداد أهل البلاد للاستقلال، وذلك بإصدار العديد من القوانين، مثل قانون انتخاب مجلس (كومنولث) في عام 1935م بوصفه خطوة أولى نحو الاستقلال، وكذلك أدخلوا المذهب النصراني البروتستانتي في البلاد.
عطل الغزو الياباني للفلبين عام 1941م واحتلال البلاد عام 1942م حركة المطالبة بالاستقلال، إذ أقام اليابانيون حكومة عسكرية حلّت الأحزاب السياسية، فواجهها أهل البلاد بمقاومة عنيفة اتخذت شكل حرب عصابات. وفي غمرة هذه الحروب تمكنّ الأمريكيون من العودة للفلبين حيث حاربوا اليابانيين وتغلبوا عليهم في 15 أغسطس 1945م. وفي 4 يوليو 1946م منح الأمريكيون أهل الفلبين استقلالهم، وقامت الجمهورية الفلبينية الثالثة. لكن البلاد كانت تعاني الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كان على الرؤساء الفلبينيين بناء البلد من جديد، فاتّجه بعضهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتساعد في بناء الفلبين مقابل اتفاقيات تعطيها قواعد عسكرية في أنحاء مختلفة من البلاد. وتوالى الرؤساء حتى عام 1965م، حيث تولى الرئاسة فرديناند ماركوس الذي اهتم بالإصلاح الإداري، وبتحسين علاقاته مع جيرانه في بداية عهده. لكن المشاكل الاقتصادية، وارتفاع الأسعار والفساد السياسي والاقتصادي كانت تحيط به من كل جانب، وسبّبت لحكمه الكثير من عدم الاستقرار حتى بعد إعادة انتخابه في عام 1969م، إذ فشلت إصلاحاته الزراعية، وازدادت الاضطرابات ومظاهرات الطلاب، فشهدت البلاد حدوث ثورة شيوعية، وكذلك انتفاضة العناصر المسلمة بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات. وقد أضافت كل هذه الأحداث مشاكل جديدة لماركوس، وجعلته يعلن حالة الطوارئ في سبتمبر 1972م، وكذلك الأحكام العرفية في محاولة لمعالجة مشاكله التي مافتئت تتفاقم وتنعكس سلبًا على اقتصاد البلاد، الذي أضعفته ثورات الشيوعيين، ونشاط حركة تحرير المورو الإسلامية. كما أن النزاع الطبقي بين القلة الغنية، والكثرة المعدمة شلَّ حركة المجتمع، وأكسب نظام ماركوس سمعة عدم احترامه لحقوق الإنسان كاغتيال أكينو زعيم المعارضة.

رفض ماركوس التنازل عن السلطة رغمًا عن فوز زعيمة المعارضة كورازون أكينو، أرملة أكينو، في انتخابات فبراير 1986م، ونتج عن ذلك ثورة شعبية أزاحته عن السلطة، ووضعت كورازون أكينو أول امرأة رئيسة فلبينية للبلاد في 25 فبراير 1986م.

تميزّ عهد أكينو بإجازة الدستور، وبمحاربة الفساد، ولكنها كانت محاطة بالمشاكل، مثل انتفاضة المسلمين، ومعارضة العناصر اليمينية، ومحاولات الانقلاب المتعددة، ثم الكوارث الطبيعية من براكين وفيضانات، وكانت حاجتها للمال شديدة لمواجهة تلك المشاكل التي أثّرت سلبًا على حكمها। وفي مايو 1992م، انتخب فيدل راموس رئيسًا للبلاد. كان راموس قد عمل ضمن حكومة ماركوس ولكنه ساعد أكينو في الإطاحة به ثم عمل وزيرًا للدفاع في حكومتها. وفي عام 1994م، عمل راموس على تعزيز مكانته السياسية فشكل حكومة إئتلافية خاض بها الانتخابات في العام التالي، وحصل على 75% من أصوات الناخبين. وفي 2 سبتمبر 1996م، وقع الرئيس راموس اتفاقية سلام مع نور ميسواري زعيم جبهة تحرير المورو الإسلامية بعد 24 عامًا من حرب أهلية أسفرت عن مصرع 120 ألف نسمة. ويفتح هذا الاتفاق الطريق أمام إنشاء دولة مسلمة مستقلة في جنوب الفليبين. وفي عام 1998م، انتخب جوزيف إسترادا رئيسًا للبلاد. وفي أكتوبر 2000م، واجه إسترادا دعوات يومية من عدة جهات تطالب باستقالته والتحقيق معه بعد أن اتهمه البعض بتلقي رشى بلغت ملايين الدولارات من نقابات قمار غير قانونية. وقد أصرت نائبة الرئيس جلوريا ماكاباجال على استقالة إسترادا لتفادي أزمة اقتصادية تضر بالبلاد. وفي يناير 2001م، استقال إسترادا وأصبحت جلوريا رئيسة للبلاد. وفي أبريل 2001م، تم اعتقال إسترادا بعد اتهامه باختلاس 80 مليون دولار إبان فترة حكمه، وقد رفض أنصاره تهم الفساد الموجهة لإسترادا