8/16/2010

تاريخ مصــر


مصر دولة عربية تقع في الركن الشمالي الشرقي من إفريقيا، ويحدها البحر الأحمر من الشرق، والبحر الأبيض المتوسط من الشمال، والصحراء الليبية من الغرب، والسودان من الجنوب. أما نهر النيل فهو أهم مصدر للحياة في مصر.

تُقسم مصر جغرافيا إلى إقليمين يعرفان بمصر العليا (المسمى بصعيد مصر) ومصر السفلى (شريط الدلتا)، وكلاهما يمتد على النيل تاركًا الصحراء على جانبي الوادي خالية إلا من آثار قديمة وشحيحة للحياة حول الواحات والبحيرات الجافة.

تمتد مصر العليا من الشلال الأول إلى حدود الدلتا. وهنا يجري النيل وسط أرض صحراوية يحده شريط ضيق من الأراضي الزراعية التي يجرفها النيل من الهضبة الأثيوبية ويرسبها على ضفافه، وهي الأرض التي شكلت المرتكز الرئيسي للزراعة لآلاف السنين. وتسيطر مصر السفلى على منطقة الدلتا حيث يتفرع النيل إلى مجريين رئيسيين ومجارٍ فرعية تصب في البحر الأبيض المتوسط أو تذوي في الدلتا حيث يوجد ثلثا الأراضي القابلة للزراعة في مصر كلها. إلى جانب ذلك، استخدم النيل وسيلة اتصال تربط بين أجزاء البلاد، فعمل على ربط المجموعات السكانية حوله بعضها ببعض، كما ساعد على نقل السلع وازدهار التجارة الداخلية. وحين كان تيار النهر يساعد السفن الشراعية في غدوها شمالاً، كانت الرياح الموسمية الشمالية تدفعها في رواحها جنوبًا. ولقد ساعد ذلك على إيجاد تكيُّف بيئي متجانس تفاعل فيه عطاء البيئة وإبداع الإنسان فأنتج إحدى أهم حضارات البشرية.

يمكن تقسيم مسيرة الحضارة البشرية في مصر إلى حقبتين رئيسيتين: حقبة ما قبل التاريخ، والحقبة التاريخية، ويفصل بينهما ظهور الكتابة. وتقسم حقبة ما قبل التاريخ بدورها في مصر إلى حقب فرعية هي: العصر الحجري القديم (بأقسامه الثلاثة: الأسفل والأوسط والأعلى) والعصر الحجري الحديث، ثم العصر الحجري المعدني أو ما يعرف بفترة ما قبل الأسر. أما الحقبة التاريخية فتقسم إلى عدة فترات تبدأ بالفترة الفرعونية التي تشمل الفترة القديمة ثم المملكة القديمة والوسطى والحديثة، ويتخلل هذه فترات اضمحلال حضاري وسياسي. ثم تأتي الفترة المتأخرة التي تنتهي بغزو الإسكندر المقدوني للشرق، والتي تبدأ بها الفترة الكلاسيكية بشقيها البطلمي نسبة إلى بطليموس، والروماني.

ومع بداية الفتح الإسلامي لإفريقيا، تدخل مصر عصرها الإسلامي فتبقى جزءًا من الدولة الأموية ومن بعدها الدولة العباسية في أدوارها الأولى. ثم تتعاقب عليها دويلات مستقلة في العصر الطولوني والإخشيدي والفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني. وتدخل ضمن غيرها من بلدان الشرق الأدنى تحت سيطرة الاستعمار الأوروبي لتخرج منه في تاريخها المعاصر.


ما قبل التاريخ العصر الحجري القديم.
بحكم أن تاريخ أقدم وجود للإنسان والحضارة معروف لدينا يقارب ثلاثة ملايين من السنين في الأجزاء الشرقية من إفريقيا، فإن الموقع الذي تحتله مصر في الركن الشمالي الشرقي من تلك القارة يضعها في مصافّ المناطق التي شهدت وجودًا بشريًا وحضاريًا مبكرًا. كذلك، فإن أقدم الأدلة الحضارية من شرقي البحر الأبيض المتوسط تصل إلى نحو مليوني سنة خلت. ويعبر مصر الطريق البريّ الوحيد الذي يربط إفريقيا بشرقي البحر الأبيض المتوسط، وإن لم يكن من المستحيل بالطبع أن يقطع الإنسان الممر المائي عبر باب المندب في جنوب شبه الجزيرة العربية.

وأغلب الظن أن مصر قد عرفت الإنسان والحضارة منذ زمن يزيد على المليون سنة. قد تم العثور على مواقع من الحقبة الأشولية التي تمثل المرحلة الثانية من العصر الحجري القديم الأسفل. يعود تاريخ الحضارات الأشولية في شرق إفريقيا إلى نحو 1,5 مليون سنة. وفي مصر انتشرت تلك المواقع على مقربة من مجرى النيل وفي الواحات الصحراوية. وليس بغائب أن الصحراء في ذلك الحين كانت تتمتع ببيئة غنية بمواردها النباتية والحيوانية بحكم وفرة المياه فيها. شكلت الفؤوس الحجرية الأشولية السمة الحضارية المميزة لتلك الفترة وقد شملت فؤوسًا وسواطير ومكاشط وشظايا شملت مراحل التطور الأشولي الثلاث الأسفل والأوسط والأعلى. وقد ارتكز اقتصاد تلك الجماعات على صيد الحيوانات البرية والأسماك وجمع الحبوب والنباتات والفاكهة البرية.

وفي العصر الحجري القديم الأوسط الذي ساد منذ نحو 100 ألف سنة وحتى 35 ألف سنة من وقتنا الحالي، عرفت مصر فيما يبدو ثلاث حضارات تميزها عن بعضها تقنية ونوع الأدوات الحجرية المستعملة فيها. ولاندري إن كان للفوارق الزمنية بينها أو الاختلاف الإقليمي دور في هذا الاختلاف. وقد عثر على مواقع هذه الحضارات في منطقة الواحات وفي جنوب مصر ووسطها. ويبدو أن كثرة المستنقعات في الدلتا في تلك الفترات جعلت منها منطقة غير مناسبة لجماعات الصيادين وجامعي القوت. أما الحضارات فهي: أ- الموستيرية التقليدية
، وقد تميزت إلى جانب وجود الأدوات الحجرية الموستيرية بوجود فؤوس حجرية. وفي مراحلها المتأخرة ظهرت أنواع من الأدوات التي سادت في العصر الحجري القديم الأعلى مثل المكاشط الرأسية والمخارز والمناقيش. ب- الموستيرية المنجلية، التي تميزت بارتفاع نسبة المناجل الحجرية فيها. ج- السانقوانية، والتي تكثر فيها المكاشط الجانبية والأدوات ذات الوجهين والشظايا المسننة وإن غابت عنها الخناجر والمحافير السانقوانية.

ومنذ نحو 25 ألف سنة خلت سادت حضارات العصر الحجري القديم الأعلى. وقد تميزت هذه الحضارات في مصر بارتفاع نسبة المناقيش والمناجل. وقد توزعت مواقع شعوب هذه الحضارات في جنوب مصر ووسطها معتمدين على الصيد البري وصيد الأسماك أحيانًا وعلى الجمع. ويبدو أن فترات جفاف قد سادت خلال النصف الثاني من هذه الحقبة قادت الإنسان والحيوان إلى العيش حول النيل بعد أن جفت الواحات والأودية في الصحاري. وقد وجدت في مواقعهم أدوات حجرية شملت شظايا وشفرات قزمية (لايزيد طول الواحدة عن 3سم). ولا يعرف ما إذا كان حجم المادة الخام (حصى المرو الصغير) أم الحاجة إلى أدوات صغيرة الحجم، هو الذي حكم تلك الظاهرة. وفي نهاية هذه المرحلة كثّف الإنسان مواقعه على ضفاف النيل وأظهر تباينًا واضحًا في طرق تكيّفه.
العصر الحجري الحديث.
شمل العصر الحجري الحديث خصائص حضارية تمثلت في صقل الأدوات الحجرية وصناعة الفخار (الخزف) واستئناس الحيوان وممارسة الزراعة. وعلى الرغم من أن هذه السمات لم تظهر في مكان واحد أو زمان واحد إلا أنها مثلت في مجملها قفزة حضارية كبرى، وكان لها آثار بعيدة المدى على مسيرة الحضارة البشرية. وقد عرفت مناطق شرقي البحر الأبيض المتوسط استئناس الحيوان وممارسة الزراعة منذ الألف الثامن قبل الميلاد.

سادت ثقافات العصر الحجري الحديث في مصر خلال الفترة من الألف السابع إلى الخامس قبل الميلاد. وقد تباينت الأشياء التي عثر عليها. ويبدو أن ذلك التباين يعود إلى طبيعة تكيّف المجتمعات البشرية على مختلف البيئات من ناحية (النيلية والصحراوية) وإلى الفوارق الزمنية بين تلك الحضارات من ناحية أخرى. وقد جاءت المعرفة بتلك الحضارات من عدة مواقع في مصر من بينها مرمدة بني سلامة في الدلتا، والفيوم غرب النيل في وسط مصر، وحول الواحات الجافة في أطراف الصحراء الغربية، وفي النوبة المصرية. كان بعض هذه المواقع قرى دائمة كبيرة الحجم بينما كان بعضها الآخر مستوطنات موسمية صغيرة إلى متوسطة المساحة. وقد اعتمد السكان في غذائهم على صيد الحيوانات البرية وصيد الأسماك وجمع النباتات والفاكهة البرية وزرعوا القمح والشعير وربوا الضأن والماعز.

استعملت هذه الجماعات أنواعًا جيدة الصنع والحرق من الفخار. وقد تنوعت الأشكال والأحجام فشملت أواني الطهي والجرار والأكواب، وقد حمل بعضها زخارف جيدة على أسطحها الخارجية تراوحت بين الخطوط الغائرة المموجة والمستقيمة والأشكال الهندسية. أما أدواتهم الحجرية فقد حوت أدوات صغيرة مصنعة على شظايا قزمية وأخرى على شظايا كبيرة؛ كما شملت فؤوسًا مصقولة ورؤوس سهام وحرابًا وأدوات صيد صنعت من مواد عضوية. ومثلت الفنون جانبًا من حضارتهم حيث صنعوا دُمى من مختلف أنواع المادة الخام شكلوها في هيئات بشرية وحيوانية. ومارسوا بعض الطقوس الجنائزية فدفنوا موتاهم في داخل المستوطن وتحت أرضيات البيوت حيث يوضع الجثمان في شكل قرفصائي ويلف أحيانًا بالجلد أو الحصير وتوضع إلى جانبه بعض القرابين من أوانٍ فخارية وأدوات خاصة.
ما قبل الأُسر.
قادت ثورة إنتاج الغذاء التي عرفها العصر الحجري الحديث إلى ازدهار القرى الزراعية، إذ أخذ بعضها يتطور ويتسع ويتحول إلى مراكز تقام فيها الأسواق وتبادل السلع من منتجات زراعية ومصنوعات، لمجموعة القرى الصغيرة من حولها. ثم ما لبثت بعض هذه القرى، أن تحولت إلى مشيخات فرضت على ما حولها سلطة إدارية وسياسية. وبالتالي تولدت وحدة إقليمية.

عُرفت في مصر خلال هذه الفترة ثلاث مراحل حضارية متعاقبة هي:

أ- حضارة البداري: وقد تركزت في صعيد مصر حيث استقر أهلها في قرى زراعية على مقربة من النيل معتمدين على زراعة القمح والشعير وتربية الضأن والماعز إلى جانب صيد الأسماك والطيور. وقد عرفت حضارتهم بفخار رفيع البناء جيد الصقل ومزخرف بأشكال نباتية. أما أدواتهم فشملت رؤوس سهام ومناجل حجرية إلى جانب صنانير من المواد العضوية. واقتصر استعمال النحاس على أدوات الزينة التي حوت أيضًا خرزًا وأساور من العظام والأصداف. وصنعوا دمى طينية نسائية. ب- نقادة 1: خلفت حضارة البداري في صعيد مصر. وقد عرفت من مدافن ومواقع استيطان، وسادت خلال الفترة الممتدة بين 3800 - 3600ق.م. اشتملت أدواتهم على سكاكين حجرية مصقولة ومقاليع حجرية. وزاد استعمال النحاس ليشمل الدبابيس والمخارز. أما الفخار فقد كان جيد الصنع ومزخرفًا بخطوط وأشكال هندسية بيضاء. وعثر على الكثير من الدمى التي تحمل أشكالاً آدمية. ج- نقادة 2: تنتشر مواقعها في الصعيد وفي الوجه البحري، حيث أقام السكان في أكواخ بسيطة من الطين والقش وصنعوا فخارًا يختلف عما عرفه أسلافهم إذ صُنِّع على هيئات حيوانية وحوى زخارف حيوانية ونباتية. أما الأدوات الحجرية فشملت سكاكين ذات مقابض عاجية وشاع استعمال النحاس.

وبنهاية هذه الفترة، فيما يبدو، أفضت التطورات الحضارية إلى سيادة بعض القرى إداريًا على المناطق حولها، وسادت مشيخات يحظى بعضها بسلطات ونفوذ واسع. واستطاعت إحداها، مع بزوغ فجر التاريخ المصري، أن تفرض هيمنتها على مصر بكاملها.
مصر الفرعونية الفترة المبكرة.
عُرفت الكتابة في مصر القديمة في نحو 3100ق.م. وبذلك دخلت مصر في فتراتها التاريخية. ويقول مانيشون الكاهن والمؤرخ المصري الذي عاش في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد (285ق.م) إن مصر القديمة حكمتها إحدى وثلاثون أسرة. وتبدأ الحقبة التاريخية في مصر بما يعرف بالفترة المبكرة التي تمثلها الأسر المصرية الأولى والثانية، وتبدأ هذه الفترة مع بداية الألف الرابع قبل الميلاد وتنتهي في نحو 2686ق.م.

شهدت الفترة المبكرة توحيد وجهي مصر القبلي والبحري في دولة واحدة، وقامت بذلك أول دولة كبرى في التاريخ، تجاوزت حدود دويلات المدن التي عرفها وادي الرافدين تحت حكم السومريين. كان الملك نارمر (مينا) هو المسؤول، كما يعتقد، عن هذا التوحيد السياسي. وقد أقام عاصمة لمصر الموجودة في منف (ممفيس) حكم منها دولته، وبقيت عاصمة لمصر من بعده حتى نقلت العاصمة إلى طيبة في عهد أمنحوتب في الأسرة الحادية عشرة، حوالي القرن العشرين قبل الميلاد. ونجح مينا في إقامة سلطة مركزية قوية، مركزًا السلطات في شخصه الذي أصبح يحظى بقبول العامة له. في هذه الفترة كان بتاح هو المعبود الأول وقد شيدت له المعابد في العاصمة والأقاليم.
المملكة القديمة.
استمر حكم المملكة القديمة في مصر خمسمائة عام تقريبًا بدأت عام 2686ق.م. وانتهت حوالي 2181ق.م. وقد تعاقب على الحكم خلالها أربع أسر بدأت بالأسرة المصرية الثالثة التي أسسها الملك زوسر ومن بعده سانخت وونبكا وحوني، وإن كان لا يعرف عنهم الكثير. بنى زوسر أول هرم مصري وهو الهرم المدرج الذي بناه لنفسه والذي يقف اليوم في سقارة (قرب منف) حوالي عام 2650ق.م. ويقال إن مهندسًا مصريًا يدعى أيمحوتب، أول مهندس معروف في التاريخ ، هو الذي قام ببنائه، كما يعتقد أنه بنى أيضًا معبدًا في إدفو. كان الهدف من بناء الهرم حفظ جثمان الملك.

ترك زوسر لوحًا تذكاريًا في سيناء عن غزوة قام بها هناك لتأديب بدو الصحراء.

وصلت الأسرة الرابعة إلى الحكم باعتلاء الملك سنفرو للعرش، وقد خلفه خوفو وخفرع ثم منقرع. ولا يعرف لهذه الأسرة نشاطات عسكرية أو فتوحات كبيرة سوى الغزو الذي قام به سنفرو للسودان ولكن يرجع لها الفضل في بناء الأهرامات الضخمة في الجيزة وميدوم ودهشور. وتُعد أهرامات الجيزة إحدى عجائب العالم القديم السبعة. وتقف شاهدًا على روعة الإبداع المعماري والفني المصري القديم. وإلى جانب تلك الأهرامات بنوا معابد لتقام فيها الصلوات والطقوس الجنائزية للملك.

لم تكن الأسرة الخامسة بقوة سالفتها نفوذًا، إلا أن تطور عبادة المعبود رع وصل قمته في هذه الفترة. ولعل ذلك ما تعكسه أسماء ملوكها التي عادة ما تنتهي باسم رع مثل سامورع ونفرايركارع. تخلى ملوك الأسرة الخامسة عن مركزية السلطة وعينوا حكامًا للأقاليم ومنحوهم بعض السلطات كما مدوا تجارتهم إلى ما وراء الحدود لسد النقص في موارد البلاد.

أما فترة الأسرة السادسة فقد شهدت سلسلة من غزوات القبائل على مصر. إلا أن يقظة بيبي الأول ومهارته نجحت في تثبيت كيان الدولة. غير أن حكام الأقاليم استغلوا هذا الوضع وركزوا سلطتهم في أقاليمهم. وفي عهد هذه الأسرة أرسلت حملة استكشافية إلى ما وراء الشلال الثاني في السودان بقيادة حرخوف عادت بالكثير من منتجات تلك البلاد إلى البلاط.

شهدت الفترة المبكرة والمملكة القديمة نهضة في مختلف جوانب الحياة أرست فيها قواعد الدولة، ووطدت مظاهر الإيمان بالبعث، وحياة ما بعد الموت، وظهر الاهتمام بعلم الفلك وتطورت العمارة التي شهدت قمتها في بناء الأهرامات، وشقت الترع والقنوات للري وشهدت الفنون تطورًا في مجال النحت وصناعة الفخار، كما تطورت الصناعة المعدنية وأصبحت للبلاد تجارة عالمية مع فلسطين، وكوش في شمال السودان.
فترة الاضمحلال الأولى.
سادت فترة الاضمحلال الأولى بين الأعوام 2181ق.م. و 2050ق.م. تقريبًا لتغطي فترة الأسر من السابعة إلى العاشرة. وقد ضعفت خلال هذه الفترة سلطة الدولة المركزية، وتعاقب على حكم مصر ملوك ضعاف تحكم فيهم الكهنة وكبار موظفي الدولة، وشهدت نزاعات أدت إلى تفكك أركان الحكم، فاستقل بعض حكام الأقاليم بمناطقهم، وضاعت هيبة السلطة الملكية، وفقد المركز سلطته على الأقاليم، وغزت بعض القبائل البدوية في سيناء وجنوب فلسطين منطقة الدلتا، وأهمل الري فتدهورت الزراعة وعمت الفوضى وحدثت مجاعة وانقسمت البلاد إلى ثلاث ولايات تتنازع السلطان. إحداها تتمركز في طيبة في الصعيد والثانية في هراكلوبولس في الوسط والثالثة في منف في الدلتا. وشهدت الفترة في آخرها صراعًا بين هراكلوبولس وطيبة، انتهت بغلبة طيبة، مما مهد الطريق لدخول مصر في المملكة الوسطى.
المملكة الوسطى.
نجحت الأسرة الحادية عشرة والتي بدأت عهد المملكة الوسطى في إرجاع هيبة الحكم. فقد استطاع الملك أمنحوتب الثاني، بعد جهاد مرير، أن يعيد توحيد مصر ويبسط نفوذ طيبة على باقي أجزاء المملكة ثم جاء أمنحوتب الثالث ليمد نفوذها إلى شمال كوش في شمال السودان.

وحوالي عام 1991ق.م. اعتلى عرش مصر شخص من خارج الأسرة المالكة اسمه أمنمحات مؤسسًا للأسرة الثانية عشرة وكان حاكمًا قويًا، نقل العاصمة إلى إت تاوي على مقربة من منف. وتعاقب على العرش بعده عدد من خلفائه منهم أمنمحات الثاني والثالث سنوسرت الأول والثاني والثالث، وتبادلوا الاسمين. واستطاع سنوسرت الثالث أن يخضع أجزاء من كوش ويمد حدود مصر الجنوبية إلى سمنة عند الشلال الثالث. وقد شهدت مصر في عهد هذه الأسرة ازدهارًا حضاريًا واستقرارًا سياسيًا، ونهضة اقتصادية ومعمارية وفنية وثقافية وعلاقات تجارية مع الشام وجزر المتوسط وكوش وبوينة (القرن الإفريقي).

كما برز دور المعبود أوزريس رغم أن أمون كان هو المعبود الأول في المركز الديني في طيبة.

وقد عمد حكام المملكة الوسطى إلى ممارسة حكم غير مركزي، حيث منحوا الكثير من السلطات لحكام الأقاليم وكبار الموظفين وأصبح الجيش متفرعًا خلافًا لما كان عليه الحال في الفترة السابقة. وبقدر ما كانت هذه التحولات إيجابية في بعض جوانبها، فقد كانت لها جوانب سلبية، إذ تركت لحكام الأقاليم فرصة التمرد على السلطة المركزية متى ما أحسوا بضعف في تلك السلطة.
فترة الاضمحلال الثانية.
(1786-1554ق.م) ضعفت السلطة المركزية للدولة وانقسمت البلاد على نفسها. ومن المعلومات التاريخية القليلة عن هذه الفترة أن أسرتين مصريتين ضعيفتين حكمتا مصر في بادئ الأمر هما الأسرتان الثالثة عشرة والرابعة عشرة، وأن غزاة من جنوب فلسطين غزوا البلاد في هذه الأثناء عرفوا في التاريخ بالهكسوس، جاءوا بعربات تجرها الخيول وبأسلحة ووسائل حربية فاقت ما يملكه المصريون آنذاك، فاستولوا على البلاد مؤسسين أسرتين (الخامسة عشرة والسادسة عشرة) متخذين أفارس في شرقي الدلتا عاصمة لهم. وأثناء حكم الهكسوس نهضت أسرة مصرية صغيرة في طيبة عرفت فيما بعد بالأسرة السابعة عشرة. ولما قويت شوكتها دخلت في صراع مع الهكسوس انتهت بانتصارها على يد ملك اسمه أحمس.
المملكة الحديثة.
في منتصف القرن السادس عشر قبل الميلاد بدأت الأسرة المصرية الثامنة عشرة، وأول ملوكها أحمس، في بعث السلطة المركزية من جديد، ثم لاحقت الهكسوس في الدلتا، وأخضعت مصر بكاملها لسيطرتها. وبذلك بدأ عهد المملكة الحديثة (الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة) الذي استمر لنحو أربعة قرون تعاقب عليها عدد من الحكام، كانت مصر خلالها قوة عالمية يحسب لها كل حساب. وتحولت إلى إمبراطورية حقيقية، وقد انطلق ملوك الأسرة الثامنة عشرة إلى ما وراء حدود مصر التقليدية بعد أن بنوا جيشًا قويًا غزا به تحتمس الأول بلاد الشام ووصل إلى حدود وادي الرافدين. وفي الجنوب، في كوش، وصل تحتمس الثالث إلى الشلال الخامس. وبذا وصلت مصر إلى أوج اتساعها الجغرافي وازدهارها الحضاري نتيجة ما جاءها من خيرات من مستعمراتها ونفوذها السياسي القوي في الشرق الأدنى القديم وتجارتها الخارجية. وانعكس هذا الثراء في مستوى المعيشة فيها وفي العمران وبخاصة بناء المعابد لآمون رع خاصة، وفي ثراء هذه المعابد وتزايد نفوذ كهنتها.

ورغم الوضع المميز الذي كانت تحظى به المرأة في البلاد وفي المعبد في مصر القديمة، إلا أن توليها العرش لم يكن أمرًا عاديًا. غير أن حتشبسوت ابنة تحتمس الأول وزوجة الثاني وصلت إلى الحكم حوالي عام 1503ق.م وصية على تحتمس الثالث، ولي العهد، الذي كان دون سن الرشد وقتها. وقد شهدت فترة حكمها نهضة عمرانية كبرى قادها المهندس سنموت.

وفي النصف الثاني من الأسرة الثامنة عشرة ارتقى أمنحوتب الرابع العرش وقام بثورة دينية كبرى وذلك بأن حول ديانة الدولة من عبادة أوثان متعددة إلى عبادة وثن واحد بإبطال عبادة سائر المعبودات سوى أتون كإله للشمس وتغيير اسمه من أمنحوتب لوجود اسم آمون فيه إلى إخناتون، ومعناه المنتفع بأتون. كما نقل عاصمته إلى مدينة جديدة بناها وسماها أخت آتون، ومعناها أفق آتون قرب تل العمارنة الحالية وذلك هجرًا لطيبة، لما عاناه فيها من صراع مع كهنة آمون. وبذلك بدأ ما يعرف في التاريخ المصري القديم بعصر العمارنة
الذي شهد إلى جانب التحول الإداري والديني تحولات فنية وثقافية قادها إخناتون وزوجته الجميلة نفرتيتي.

غير أن ثورة إخناتون لم تدم طويلاً. فبعد وفاته التي يكتنفها الغموض ومجيء توت عنخ آتون، عاد النفوذ إلى الكهنة على الملكية المصرية وانعكست الثورة الدينية، متمثلة في تغيير هذا الخليفة اسمه إلى توت عنخ آمون، وعادت العاصمة السياسية إلى طيبة مرة أخرى وهجرت أخت أتون. وفي الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين حكمت مصر أسرة الرعامسة، وأمضى رمسيس الثاني من الأسرة التاسعة عشرة، سنوات في حروب الحيثيين في محاولة للحفاظ على مستعمرات مصر في الشام. ورغم أنه لم يفلح تمامًا في هزيمة الحيثيين في معركة قادش عام 1285 ق.م، إلا أنه عقد اتفاقية سلام واتجه إلى العمران حيث شيد معابده في الكرنك وأبوسمبل. انظر: الحيثيون
.
الفترة المتأخرة.
في بداية حكم رمسيس الثالث ثاني ملوك الأسرة العشرين غزت قبائل تعرف باسم شعوب البحر مصر من الشرق، فصدهم رمسيس الثالث مثلما صد غزوًا آخر من الغرب بقيادة شخص ليبي. وفي أواخر الأسرة العشرين بدأ سلطان رئيس كهنة آمون في الجنوب يزداد على حساب الملك حتى بلغ أن لقب أحدهم واسمه حريحور بألقاب ملكية دون أن يصبح ملكًا فعليًا.

ومنذ حوالي عام 1070ق.م، مع بداية عهد الأسر 21-23 ضعفت السلطة السياسية الملكية، وتحولت تدريجيًا إلى كهنة آمون إلى الحد الذي أدخل مصر في فترة ركود سياسي. ونصّب شخص اسمه سمندس نفسه ملكًا بعد أن طغى نفوذه في شمالي مصر وخارجها على نفوذ رمسيس الحادي عشر، آخر ملوك الأسرة العشرين، وبه بدأت الأسرة الحادية والعشرون التي تركزت في الشمال. في هذا الوقت كانت أسرة حريحور، كبيركهنة آمون في طيبة ذات شأن في الصعيد وكان نفوذ العسكريين الليبيين في الجيش آخذًا في النمو حتى استطاع أحدهم ويُدعى ششنق تأسيس الأسرة الثانية والعشرين، وتبعتها الأسرة الثالثة والعشرون الليبية أيضًا، التي تفككت الدولة على أيامها وفقدت نفوذها على الأقاليم. وبقى الليبيون حكامًا على الشمال بينما كان كهنة آمون مهيمنين على الجنوب.

وفي بداية القرن الثامن قبل الميلاد، وفدت أسرة كوشية من السودان عُرفت بالأسرة الخامسة والعشرين، غزت صعيد مصر في أيام مؤسسها كوشتو، ثم ضمت إليها جزءًا كبيرًا من الدلتا بعد صراع مع تافنخت حاكم سايس المصري، مؤسس الأسرة الرابعة والعشرين. ولما بسط الكوشيون سيادتهم على مصر وحكموها عرفوا بالأسرة الخامسة والعشرين، وصاروا حكامًا على مصر وكوش من مصر نفسها بدلاً من عاصمتهم الكوشية نبتا (نبتة). واتخذوا منف العتيقة عاصمة لهم. وتميزت فترتهم بعمران في مصر وكوش القديمة. ودخلوا في صراع مع الأشوريين في فلسطين غير أنهم انهزموا أخيرًا أمام الأشوريين وتراجعوا جنوبًا إلى موطنهم كوش مما أفسح المجال لظهور الأسرة السادسة والعشرين.

عاد حفدة تافنخت لعرش مصر بمساندة من الأشوريين وأسسوا الأسرة السادسة والعشرين ابتداءً بتحاو الأول. وفي ذلك الوقت كان الفرس قد خلفوا الأشوريين في السيادة على الشرق الأدنى. ولم يخل حكم الأسرة السادسة والعشرين من مشكلات تمثلت في ثورات في الصعيد وتذمر المصريين بسبب اعتماد الأسرة الحاكمة على المرتزقة الإغريق في الجيش والتهديدات الفارسية التي انتهت بفتح مصر في 525ق.م. على يد قمبيز. وتميزت الأسرة السادسة والعشرون بأنها واصلت البعث الحضاري في مصر وارتقت به. وعبثًا حاولت الأسر المصرية المتأخرة والمتعاقبة التخلص من القبضة الفارسية، إلا أنها لم تفلح حتى كان غزو الإسكندر المقدوني لمصر.
مصر البطلمية
وفد الإسكندر إلى مصر عام 332ق.م. بعد استسلام الوالي الفارسي، ومن ثم ضمت مصر حتى الشلال الأول إلى الدولة المقدونية. زار الإسكندر المعابد المصرية وأخذ يرسي دعائم حكمه ووضع أساس مدينة الإسكندرية عاصمة لمصر وعين ولاة مصريين لحكم الوجهين البحري والقبلي، ثم غادر مصر إلى العراق وفارس والهند مكتسحًا الحاميات الفارسية هناك. إلا أن موته المبكر عام 323ق.م، قاد إلى تقسيم إمبراطوريته على قادة الجيش وكانت مصر من نصيب بطليموس الذي عمل منذ بداية عهده على الاستقلال التام بمصر وتثبيت حكمه فيها وبسط نفوذه على المناطق حولها لتأمين وضعه من أي اعتداءات خارجية. وفي عهد بطليموس الثالث بلغت مصر أوج اتساعها لتمتد من فلسطين إلى برقة ومن قبرص إلى الشلال الأول. وأصبحت لها علاقات تجارية مع شرق إفريقيا. وخاض بطليموس الرابع حربًا مع انطيوخوس ملك سوريا وبابل انهزم فيها انطيوخوس في معركة رفح عام 217ق.م. إلا أن البطالمة سرعان ما فقدوا مستعمراتهم في الشام للرومان بعد أن خرج الرومان منتصرين في الحرب البونية وقضوا على قرطاجنة عام 202ق.م. وفي عهد بطليموس الثامن، وفي بداية القرن الثامن ق.م، كانت دولة البطالمة في مصر قد فقدت أراضيها خارج مصر كما كانت سلطتها الداخلية قد تفككت وتنازع أبناء الأسرة الحاكمة فيما بينهم. وكانت مصر منذ بطليموس الرابع تعيش ثورة داخلية تمركزت حول طيبة بدعم من ملوك كوش في الجنوب.

أجرى البطالمة الكثير من التعديلات على نظم الحكم في مصر فرفعوا الملوك إلى مراتب الآلهة حيث فرضوا عبادتهم، وجمعوا السلطات في أيديهم. وكان نائب الملك هو المسؤول عن الشؤون المالية. وقسموا البلاد إلى ولايات لكل منها حاكم وعليها قائد عسكري يشرف على الأمور العسكرية فيها. كذلك قسموا كل ولاية إلى عدة أقاليم عليها أمراء. أما المدن التي تسكنها أغلبية إغريقية فكانت تحكم بمجالس خاصة بها. وفي بداية عهدهم عملوا على تنمية الموارد الاقتصادية بتطوير الزراعة والصناعة وفرض الضرائب والرسوم الجمركية.
مصر الرومانية
وصلت كليوباترا إلى عرش مصر سنة 51ق.م، وكان الصراع في روما يومها محتدمًا بين بومبي وقيصر، والحرب الأهلية تدق أبواب روما. ساندت كليوباترا بومبي إلا أنه انهزم في ذلك الصراع وفر إلى الإسكندرية فلاحقه قيصر إلى هناك ودخل الإسكندرية. غير أن كليوباترا استطاعت أن تقيم جسرًا من العلاقات الطيبة معه وقتل قيصر. وبمعاونة أنطوني (أنطونيو) صعد أوغسطس إلى السلطة، وتقرب أنطوني، الذي أصبح واليًا على الأجزاء الشرقية من الإمبراطورية الرومانية من كليوباترا، ثم ما لبثت العلاقة بين أنطونيو وكليوباترا من جهة وأوغسطس من جهة أخرى أن تدهورت، مما قاد أوغسطس إلى الزحف على مصر عام 30ق.م. وانتصر على أنطوني وكليوباترا وأصبحت مصر ولاية رومانية.

غير أن الحقبة الرومانية في مصر حفلت بصراع دموي طويل بين اليهود والإغريق، بعد أن ساند الرومان اليهود وسلبوا الإغريق الكثير من امتيازاتهم السابقة في العصر البطلمي، رغم أن الرومان كانوا ينظرون للحضارة الإغريقية نظرة إعجاب، وأنهم أبقوا اللغة الإغريقية لغة الدولة الرسمية في مصر. ثم ما برحت النصرانية أن أخذت تتسرب من فلسطين إلى مصر وانتشرت وسط الإغريق مما أثار مخاوف الرومان، وقاد إلى اضطهاد الإغريق حتى اعترفت الدولة بالنصرانية في عهد قسطنطين (323 - 337م). وبعد أن فرضت النصرانية في مصر في عهد الإمبراطور ثيودور (379 - 395م)، كان انقسام الكنيسة حول طبيعة السيد المسيح عليه السلام وظهور المذهبين اليعقوبي والملكاني. قاد هذا الخلاف العقائدي إلى تفتيت المجتمع وتقويض دعائم الاستقرار الروماني في مصر. وفي عام 616م قدم الفرس إلى مصر إلا أن وجودهم فيها لم يدم طويلاً حيث عادت لسيطرة الرومان حتى كان الفتح الإسلامي عام 22هـ، 642م.

لم يعدّل الرومان كثيرًا في النظم الإدارية المصرية، فعينوا حاكمًا على رأس السلطة. وله مساعدون للشؤون المالية والقضائية. ثم قسمت البلاد إلى ثلاث ولايات لكل منها حاكم إقليمي يليه قائد. وقد شهدت فترتهم زيادة في الإنتاج الزراعي واهتمامًا بصرف المياه وتطورًا في الصناعة والتجارة الخارجية. لقد كان أحد أهم أهداف الرومان في مصر هو تنمية واستغلال مواردها، غير أن طبيعة الحكم وما قادت إليه من ثورات وعدم استقرار أدَّى إلى تدهور اقتصادي وقصور في تلك الموارد.
مصر الإسلامية
بعد أن اكتمل للمسلمين فتح بلاد الشام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في سنة 14هـ، 635م، وأمنوا حكمهم هناك، اتجهت الأنظار إلى مصر بحكم كونها تحت قبضة البيزنطيين الذين يشكلون خطرًا كبيرًا في جنب الدولة الإسلامية الوليدة، إلى جانب أن معظم أهل مصر لم يكونوا على وفاق ديني مع السلطة البيزنطية فضلاً عن استيائهم لفداحة الضرائب المفروضة عليهم وقسوة الحكم.

سار عمرو بن العاص إلى مصر بجيش قوامه أربعة آلاف رجل حيث تم الاستيلاء على العريش ثم واصل طريقه عبر الصحراء إلى النيل وحاصر حصن بابليون واستولى عليه من البيزنطيين عام 22هـ، 642م ثم اتجه إلى الإسكندرية حاضرة مصر آنذاك وبعد حصار تمكن من الاستيلاء عليها. وبذلك دانت مصر للخلافة الإسلامية وعين عمرو بن العاص واليًا عليها.
عاصمة إسلامية جديدة.
كان من أوائل مهام النظام الجديد إرساء دعائم دولة جديدة، وبالتالي كان لابد له من بناء حاضرة للدولة؛ لأن الإسكندرية لم تكن تناسب الوضع السياسي الجديد من حيث موقعها. بنى العرب مدينة الفسطاط وأسسوا فيها مسجدًا جامعًا عرف بالمسجد العمري نسبة لعمرو بن العاص، وكان شبيهًا بمركز الدولة الذي تعقد فيه الاجتماعات ويلتقي فيه الوالي بكبار رجال دولته. وقد ارتكز النظام الإداري الجديد على النظم الإسلامية، وكان الوالي الإسلامي يقوم بالمسؤولية المباشرة عن الأمن والخراج والقضاء وإمامة المسلمين. كان الوالي يعين من قبل الخليفة مباشرة. انظر: عمرو بن العاص
.
مصر في العصر الأموي.
بقيت مصر تابعة للخلافة الأموية على امتداد فترة حكمها. وقد شهدت الفترة تطورًا في مجالات الزراعة والعمارة إلى جانب اتخاذ اللغة العربية لغة رسمية للدولة.

وفي عصر الولاة الأمويين توسعت مدينة الفسطاط، ثم تعرضت المدينة لبعض أعمال التدمير في نهاية العصر الأموي أثناء مطاردة جيوش العباسيين لمروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين سنة 133هـ ،750م. وكان من جراء هذه الأحداث أن خُرب الجانب الشمالي من الفسطاط مما يلي جبل يشكر.
مصر في العصر العباسي.
تمت الغلبة للعباسيين على يد صالح بن علي قائد جيوشهم الذي قام بمطاردة مروان ابن محمد آخر الخلفاء الأمويين في مصر، وتمكن من قتله. واستقر صالح بن علي كأول وال في مصر من قبل الخلافة العباسية الجديدة. ولما خلفه الأمير أبوعوف في ولاية مصر شرع سنة 135هـ، 752م في تأسيس مدينة جديدة في الجانب الشمالي من الفسطاط الذي كان قد أصبح فضاءً قفرًا. ونظرًا لأن هذه المدينة أسست لإيواء العسكر العباسيين فقد سميت العسكر
.

وشيدت بمدينة العسكر دار للإمارة ظل ينزلها الولاة العباسيون وبنى بها الفضل بن صالح سنة 169هـ، 785م مسجدًا لم يكتب له البقاء. ومما تجدر الإشارة إليه أنه كان يطلق على هذه المدينة اسم مصر
، تمامًا كما أطلق على دمشق اسم الشام
.

توسعت المدينة الجديدة في عهد الولاة العباسيين حتى اتصلت بالفسطاط وازدهرت البلاد في عهد الوالي موسى ابن علي وتعايش المسلمون والأقباط فيها. إلا أن الصراع بين العباسيين والعلويين انعكس على الحياة السياسية والفكرية في مصر خاصة بعد دعوة محمد بن عبدالله المعروف بالمهدي الذي كان داعية إسلاميًا وثائرًا وما صادفت من قبول ونجاح، ثم مواصلة ابنه علي الدعوة من بعده. وفي سنة 210هـ، 825م، اندلعت ثورة في مصر أيام الخليفة المأمون الذي أرسل عبدالله بن طاهر بن الحسين لإخمادها. واستولى الأمير على الفسطاط، ثم عين واليًا على مصر.

وقد وجدت عناصر عربية من جزيرة العرب الفرصة سانحة للنزوح إلى مصر بسبب وفرة فرص العمل بها، فعملوا بالزراعة والتجارة وتربية الإبل. وبمجيء المعتصم وتولية أخواله الترك مقاليد الأمور في الدولة العباسية تولى أمر مصر عدد من الولاة الأتراك الذين كانوا يولون نوابهم أحيانًا على أمور الدولة عند غيابهم.
مصر الطولونية.
جاء أحمد بن طولون إلى مصر في 254هـ، 868م وكيلاً عن باكباك، صاحب إقطاعها وكان الأخير زوج أم أحمد بن طولون. وكان من عادة أصحاب الإقطاعيات أن يقيموا في عاصمة الخلافة ويرسلوا من ينوب عنهم على ولاياتهم. ولما قتل باكباك آل حُكْم مصر إلى لياركوج، وكان هو الآخر صهر أحمد بن طولون، فأبقاه وكيلاً على حكم مصر. ثم أسندت إليه ولاية الإسكندرية. وما لبث أن استقل بحكم مصر. وتوسعت الدولة الطولونية لتتجاوز حدود مصر إلى الشام وبرقة وتحولت إلى قوة إقليمية. وكانت فترة حكم ابن طولون فترة تأسيس وازدهار حضاري، أرسى فيها إدارة قوية ونظم حكمًا صارمًا كما ازدهرت الحركة الأدبية والفكرية.

وبعد وفاته تولى الأمر بعده ابنه خمارويه دون إذن من مركز الخلافة في بغداد، مما يشير إلى ضعف أو انعدام سلطة المركز على مجريات الأمور في مصر. وحين حاول الخليفة الموفق الاستيلاء على دمشق وإعادتها إلى حظيرة الخلافة العباسية اصطدم بالطولونيين الذين حاربوه وبسطوا سيطرتهم على كل بلاد الشام وأرغموا الخليفة العباسي على عقد صلح يتنازل فيه لهم عن ولاية مصر والشام.

غير أن الدولة الطولونية ضعفت بعد وفاة خمارويه وراود الخلافة في بغداد حلمها القديم في استعادة مصر. وبالفعل تم لهم ذلك بعد أن قتل هارون بن خمارويه الذي خلف والده. إلاّ أن ضعف الخلفاء في مركز الخلافة والصراعات المتصلة بين الولاة في مصر جعلها محل أطماع الفاطميين الذين كانوا قد أسسوا دولة في شمالي إفريقيا في 269هـ، 882. غير أن الأمور سارت على نحو آخر.
مصر الإخشيدية.
كان أحد أبناء الإخشيديين، ملوك فرغانة، واسمه محمد بن طغج واليًا على طبرية من قبل تكين والي الشام ومصر. ثم ما لبث أن تولى محمد بأمر الخليفة العباسي أمر مصر سنة 323هـ، 934م. إلا أنه سرعان ما تمرد على الخليفة واستقل بمصر واستولى على الحجاز وضم إليه أجزاء من الشام التي كانت الأجزاء الأخرى منها تحت قبضة الحمدانيين. بعدها عقد صلحًا مع الخليفة العباسي المتقي بالله تولى على أثره ولاية مصر والشام. وقبيل وفاته عام 334هـ، 946م كلف أحد أتباعه ويدعى كافورًا، بالوصاية على ابنه القاصر. وبقي كافور الحاكم الفعلي لمصر، واستطاع أن يقضي على تمرد داخلي وحارب سيف الدولة الحمداني الذي حاول غزو مصر. كما صدّ كافور محاولة للفاطميين في أيام المعز لدين الله. كان كافور رجل دولة من الطراز الأول، أقام نهضة عمرانية كبيرة ونمت موارد البلاد التجارية والزراعية في عهده.

توفي كافور سنة 357هـ، 967م فضعف شأن الحكم من بعده، ووجد الفاطميون الذين كانت أعينهم دائمًا على مصر الفرصة سانحة للهجوم عليها، خاصة ومركز الخلافة في بغداد مشغول بغارات البيزنطيين. وفي السنة التالية لموت كافور (358هـ، 969م) غزا جوهر الصقلي مصر على رأس جيش فاطمي واستولى على الإسكندرية وسلمت له الفسطاط دون مقاومة.
مصر الفاطمية.
لما كانت مصر مفتاح الطريق إلى الحجاز والحرمين الشريفين، فقد ظلت حلمًا يراود الفاطميين بعد أن أقاموا دولة في تونس عام 297هـ، 909م وقضوا على أسرة الأغالبة التي حكمت المغرب الإسلامي نيابة عن العباسيين. وما أن استقر جوهر الصقلي في مصر حتى شرع في بناء القاهرة لتصبح حاضرة للدولة بدلاً من المهدية (المنصورية) القريبة من القيروان. انتقل المعز إلى القاهرة ليؤمن حكم مصر ويكون قريبًا من الحجاز وليوقف تقدم القرامطة الذين وصلوا وقتها إلى حدود مصر الشرقية. إلا أن المعز لم ينعم بعاصمته الجديدة طويلاً إذ توفي بها بعد ثلاث سنوات ليخلفه ابنه العزيز.

توفي العزيز في الشام سنة 386هـ وهو يحارب البيزنطيين، فخلفه ابنه الحاكم بأمر الله الذي ساد الأمن في أيامه، إلا أنه عرف بأنه كان حاكمًا متزمتًا ورجلاً متناقضًا منفصم الشخصية. وهو صاحب القصة التي تقول إنه خرج ذات ليلة من قصره ولم يعد بعد ولم يعثر له على أثر. جاء بعده ابنه الظاهر الذي تولت عمته ست الملك الولاية لبعض الوقت وصية عليه. وقد أظهرا مقدرة في إدارة الدولة وتطويرها ورخائها. إلا أن عهد المستنصر من بعدهما ـ الذي دامت ولايته ستين عامًا ـ كان فترة تدهور اقتصادي هائل سادت فيه المجاعات والخوف والنهب والأمراض. ثم ما لبث الجند أن قفزوا إلى السلطة وتنازعوا فيما بينهم حيث ساندت طائفة منهم بعض أبناء الخلفاء دون آخرين، وبذلك دخلت البلاد في ما يشبه الحرب الأهلية.

في هذه الأثناء ظهرالصليبيون على حدود الشام واحتلوا القدس والتقوا بالجيش الفاطمي في عسقلان. وكان طبيعيًا والدولة الفاطمية يمزقها الخلاف والتناحر أن ينهزم جيشها وتسقط الشام بكاملها. في ذات الوقت كان السلاجقة لا يزالون يتربصون بها. واستغل ولاة شمالي إفريقيا ما صار إليه حال الدولة فاستقلوا بولاياتهم. إزاء ذلك اهتزت سلطة المركز وتناحر أبناء الخلفاء كلٌ يطلب دعم قوة أجنبية.

شهدت البلاد في العصر الفاطمي نهضة حضارية عمت مختلف جوانب الحياة. فقد تمَّ بناء الكثير من القصور لتكون مقرًا للخلافة والخلفاء كالقصر الغربي والشرقي وقصر اللؤلؤة في القاهرة. وشيد عدد من الجوامع كان الأزهر الذي افتتح في 361هـ، 971م هو أهمها. وفي فترات الازدهار الفاطمي طُوِّرت أساليب الزراعة فزادت الرقعة المزروعة وشقت الترع. كذلك شهدت البلاد نهضة صناعية شملت صناعة النسيج والمعادن. وازدهرت التجارة مع الحجاز عبر البحر الأحمر حيث أصبح ميناء عيذاب مركزًا تجاريًا مهمًا ونقطة اتصال بين تجارة مصر وتجارة الشرق. أما في مجال الإدارة فقد عرف هيكل الدولة عدة دواوين (وزارات) تتولى كل منها إدارة جانب معين: الجيش، الشرطة، بيت المال، القضاء. كذلك بنى الفاطميون جيشًا قويًا وأسطولاً بحريًا ضاربًا إلى جانب أسطولهم التجاري الذي وصل إلى عدن على البحر الأحمر وصقلية في البحر الأبيض المتوسط. ثم أقاموا الحدائق العامة ورصفوا الشوارع ونظموا الاحتفالات والمهرجانات في المناسبات الدينية. وشهد عهدهم نهضة علمية كبيرة فسرعان ما حولوا الجامع الأزهر الذي انشأوه لنشر تعاليم المذهب الشيعي، إلى جامعة وزودوه بمكتبة هائلة.
مصر الأيوبية.
صلاح الدين الأيوبي هو يوسف بن نجم الدين أيوب الذي استقل آباؤه بولاية حلب ودمشق عن السلاجقة. وحين احتدم الصراع بين ولاة الفاطميين استنجد أحدهم، وهو ضرغام، بالصليبيين لنصرته، بينما طلب الآخر، وهو شاور، دعم نور الدين حاكم دمشق. فأوكل الأخير إلى صلاح الدين وعمه شيركوه قيادة جيش لمناصرة شاور ومنع الصليبيين من احتلال مصر. استطاع صلاح الدين هزيمة الخليفة الفاطمي في معركة القصرين، وبالتالي قضى على آخر الخلفاء الفاطميين.

كان على صلاح الدين خلال الفترة الأولى من حكمه (565-570هـ، 1169-1174م) أن يقضي على المقاومة الفاطمية التي تمركزت في الصعيد من ناحية، وتجنب إثارة نور الدين حاكم دمشق الذي تتبع له مصر رسميًا من ناحية أخرى. كما كان عليه أن يصمد أمام الغزو الصليبي. سارت الأمور كما تمنى، فقد استطاع القضاء على أعوان الخليفة الفاطمي في الصعيد. وتوفي نور الدين فجأة في دمشق، ففتح الباب أمام صلاح الدين للاستيلاء على دمشق. ثم عرج على الصليبيين وهزمهم في حطين سنة 583هـ، 1187م. وفشلت الحملات الصليبية المتكررة في جلائه عن الشام، حتى كان صلح الرملة عام 588هـ، 1192م الذي انتزع به فلسطين من قبضة الصليبيين.

توفي صلاح الدين في دمشق عام 589هـ، 1193م وخلفه أخوه العادل الذي سقطت الدلتا في عهده في أيدي الصليبيين. وقام ابنه الكامل بتجهيز جيش لحربهم حيث التقى بهم عند المنصورة في معركة حسمت لصالح الأيوبيين، وعُقد بعدها صلح عام 618هـ، 1221م خرج على أثره الصليبيون من الدلتا. غير أنهم عاودوا الكرة مرة أخرى على فلسطين تحت قيادة الإمبراطور فريدريك الثاني، انتهت أيضًا بعقد صلح. وبعد وفاة الكامل عام 635هـ، 1238م تنازع الملك بعده اثنان من أبنائه وانتهى الأمر بتولي ابنه الصالح أيوب السلطة بمساعدة جنده وجند أبيه من المماليك. وفي عهده قدم لويس التاسع ملك فرنسا بجيش صليبي احتل به دمياط عام 647هـ، 1249م وتقدم في الدلتا. عندئذ توفي الصالح أيوب، إلا أن ابنه توران شاه قدم من العراق وألحق بالصليبيين هزيمة كبيرة بجيش كان جلّه من المماليك. غير أن توران شاه انقلب على المماليك بعد أن حقق النصر. فما كان منهم سوى تدبير قتله وتولية زوجة أبيه شجرة الدر مكانه. وعلى الرغم من أن شجرة الدر أثبتت مقدرة إدارية في بداية حكمها، إلا أن الخليفة المستعصم في بغداد رفض الاعتراف بولايتها، فتنازلت باختيارها عن الحكم لأمير مملوكي يدعى عز الدين التركماني بعد أن تزوجته. ونشأ صراع بين أمراء المماليك في مصر على الولاية، فانتهز الملك الناصر والي الشام تلك الفرصة وزحف على مصر. إلا أن عز الدين التركماني (الذي لقب بالمعز) استطاع هزيمته وضم الشام إلى دولته. ولم تدم ولاية المعز بعد ذلك طويلاً فقد قتل عام 655هـ، 1257م بتدبير شجرة الدر غيرة عليه بعد أن عزم على الزواج من أميرة من الموصل. فتولى الأمر بعده ابنه نور الدين. وفي هذه الأثناء أغار المغول على بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم. عندها قرر القادة السياسيون والعسكريون في مصر خلع نور الدين وتولية الملك المظفر قطز لصد الغزو المغولي. وبالفعل نجح المماليك في هزيمة المغول بقيادة هولاكو، في معركة عين جالوت
.
مصر المملوكية.
تنقسم دولة المماليك في مصر إلى فترتين: فترة المماليك البحرية ثم فترة المماليك الشراكسة. أما الأولى فتبدأ بظهور القائد المملوكي بيبرس الذي أدى دورًا في النصر الذي تحقق في عين جالوت. وفي ظل الدور المتعاظم للمماليك في إدارة الدولة، وصل بيبرس إلى الحكم في مصر، وبعث فيها الخلافة العباسية عن طريق تولية أحد أبناء المعتصم خليفة، واعتبر القاهرة مركز الخلافة. ثم عقد بيبرس لابنه سعيد الذي تزوج من ابنة قلاوون، الولاية من بعده.غير أن أسرة قلاوون استطاعت أن تنفرد بالحكم. وحاربت الصليبيين في الشام ومن بعدهم التتار الذين وفدوا من فارس واستولوا على دمشق وفلسطين، فهزمتهم كذلك عام 703هـ، 1303م. وبعد موت الناصر قلاوون دخلت مصر في مرحلة ضعف سياسي وإداري، وعاود المغول تحت إمرة تيمورلنك تهديد الشام حتى استقرت لهم. ومما يجدر ذكره أن فترة المماليك البحرية قد شهدت سقوط حصن عكا الذي كان في أيدي الصليبيين، وبذلك كتبوا نهاية الاحتلال الصليبي للشرق.

وبمجيء السلطان برقوق دخلت مصر فترة المماليك الشراكسة وقد نجح برقوق في تأمين البلاد وإعادة تنظيمها. ثم خلفه ابنه الناصر فرج الذي أخذ عليه انغماسه في اللهو مما قاد أحد أمراء والده المؤيد
أن يستفتي الخليفة في قتله. وبالفعل قتل وعين المؤيد مكانه.

وصل المؤيد إلى السلطة عام 818هـ، 1415م، فأعاد هيبة الدولة وسلطتها. وخلفه بعض السلاطين كان من بينهم السلطان برسباي الذي أوقف تهديد ملك قبرص للسواحل المصرية. وتولى الحكم بعده السلطان قايتباي المحمودي الذي يعد بحق أحد أهم الحكام الشراكسة. وقد شهدت فترة حكمه الطويلة (33 سنة) استقرارًا سياسيًا إلى جانب حملاته التأديبية ضد الصليبيين في جزر البحر الأبيض المتوسط.

وفي عهد الملك خشقدم احتدم النزاع بين المماليك والأتراك العثمانيين، واستمر كذلك حتى حسمه العثمانيون لصالحهم بإزالة السلطة المملوكية، وضم مصر للدولة العثمانية عام923هـ، 1517م.

اشتهرت الفترة المملوكية بجمال منشآتها المعمارية، فقد كان المماليك متأثرين بالعمارة البيزنطية في الشام، فجاءت مبانيهم من قلاع ومساجد وقصور إبداعات فنية في العمارة والنحت. ومن منشآتهم في مصر مسجد الظاهر بيبرس ومسجد قايتباي وقلعة الجبل وقبة قلاوون التي حوت مدفنه. كذلك منارات الإسكندرية ورشيد. واهتم المماليك بالزراعة، وشقوا الترع وبنوا الجسور فشهدت البلاد إنتاجًا وفيرًا في مختلف المحاصيل. كذلك زاد الاهتمام بالتعدين ونهضت صناعة المنسوجات كما نظموا التجارة المحلية بإنشاء الأسواق وتنظيمها. وعقدت المعاهدات التجارية الدولية مع بلاد البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. إلا أن اكتشاف رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا في بداية عهد الاكتشافات حوّل جزءًا من تجارة الشرق إلى ذلك الطريق مما أفقد مصر الكثير مما كانت تجنيه من تلك التجارة بحكم موقعها، الأمر الذي لم تسترده إلا بعد حفر قناة السويس. وكان للمماليك نظام متطور على عهدهم في الولاية، كما طوروا النظام الإداري السائد في مصر، فاستحدثوا وظائف الأمراء لإدارة شؤون الدولة وتخصصت وظائف الأمن في عهدهم وتمَّ تنظيم البريد ونظام القضاء والمظالم.

اهتم المماليك كذلك ببناء وإنشاء المدارس وعملوا على نشر الثقافة والمعرفة. ويعتقد بعض المؤرخين أن المماليك قد أعادوا للخلافة الإسلامية مجدها وأضفوا على العالم الإسلامي ازدهارًا وهيبة لم يعهدهما منذ زمن طويل.
مصر العثمانية.
فتح محمد الفاتح القسطنطينية عام 857هـ، 1453م وبسط العثمانيون نفوذهم على شرقي البحر الأبيض المتوسط. وعندها كان لابد لهم من الاصطدام بالمماليك الذين كانوا لا يزالون يتمتعون بنفوذ في الشام وبعض جزر البحر الأبيض المتوسط. وكانت لهم كذلك اتصالات مع الصفويين في فارس في محاولة لوقف استفحال الدولة العثمانية الناشئة. وبعد انتصار العثمانيين على الصفويين في المشرق التقوا بالمماليك في معركة مرج دابق في الشام عام 922هـ، 1516م التي كان النصر فيها حليف العثمانيين. تابع العثمانيون تقدمهم جنوبًا إلى فلسطين وسيناء وحاول المماليك الدفاع عن دولتهم إلا أن أسلحة العثمانيين الحديثة كتبت نهاية ذلك الصراع ونهاية دولة المماليك ودخلت مصر حظيرة الدولة العثمانية.

نصَّب السلطان سليم أحد المماليك واليًا على مصر وجعل بعض أمرائهم حكامًا على المناطق وإداريين للمقاطعات. واستطاع أحد هؤلاء ويدعى علي بك الكبير الذي يعود إلى أصل جورجي، أن يصبح عام1177هـ، 1763م ثاني شخصية في مصر. استغل علي بك انشغال الدولة العثمانية بحربها مع روسيا، فأعلن استقلاله بمصر، ثم مالبث أن أعد حملة أبحرت من السويس إلى ينبع واستولت على الحجاز. بعدها جهز جيشًا غزا به الشام ودخل دمشق غير أن قائده محمد بك أبو الذهب تآمر عليه وعزله عن ولاية مصر وتولّى هو إمارتها.
الحملة الفرنسية على مصر
عند اندلاع الثورة الفرنسية (يوليو 1789م (1204هـ) كانت الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف تعج بالثورات وتمرد حكام الأقاليم إلى جانب تفشي الفساد وضعف الحكام. اتجه تفكير الفرنسيين بعد أن أرست الثورة الفرنسية قواعدها في مصر لتحكم قبضتها على الطريق التجاري القديم عبر الشرق الأدنى وتشق قناة توصل بين البحرين، الأبيض المتوسط والأحمر. وكانت بريطانيا التي انطلقت منها الثورة الصناعية قد سيطرت على رأس الرجاء الصالح. وما أن خرجت فرنسا من انتصاراتها في أوروبا، حتى أبحر نابليون بجيشه إلى مصر فاستولى على الإسكندرية وزحف نحو القاهرة وهزم المماليك في معركة الأهرامات
. غير أن البريطانيين دخلوا معركة بحرية مع الأسطول الفرنسي خلصت إلى تحطيم الأسطول الفرنسي. بقي الفرنسيون في مصر لبعض الوقت حاولوا خلاله أن يؤمنوا بقاءهم فيها، ومحاولة استغلال وجودها كعامل ضغط على القوى الأوروبية الأخرى لكسب أمور في أوروبا هم طرف فيها، فضلاً عن قطع الطريق بين إنجلترا ومستعمراتها في الهند. وحين علم نابليون بأن العثمانيين يعدون جيشًا في الشام لغزو مصر، بادر بمهاجمتهم وقضى على جيشهم ثم عاد إلى فرنسا تاركًا مصر تحت إمرة القائد العسكري كليبر الذي بقي هناك حتى عام 1215هـ، 1800م حيث قتله سليمان الحلبي طعنًا. آلت القيادة بعده إلى الجنرال مينو الذي فشل في إدارة البلاد بسبب قلة درايته بالأمور العسكرية والإدارية لينتهي الأمر بجلاء الفرنسيين عن مصر عام 1216هـ، 1801م بناء على اتفاقية العريش.

وعلى الرغم من قصر إقامة الفرنسيين في مصر واضطراب تلك الفترة إلا أن آثارها كانت بالغة الأهمية. فقد قام العلماء الفرنسيون بدراسة مفصلة وعلمية نشرت في كتاب وصف مصر
وأنشأوا بعض الصحف وكشفوا عديدًا من الآثار، كما ساهموا في كشف نقاط الضعف والخلل في الإدارة العثمانية في مصر.

بعد جلاء الفرنسيين تنازعت القوى المتحالفة والمكونة من الإنجليز والعثمانيين والمماليك حكم مصر. رأى البريطانيون في نهايته الانسحاب من الصراع لينتهي بتولي محمد علي الحكم في مصر، وكان محمد علي رئيسًا للجند الألبان الذين اشتركوا في الحملة العثمانية القادمة لإخراج الفرنسيين من مصر. ولم يُرض ذلك المماليك بالطبع فتصارع معهم حتى قضى عليهم في مذبحة القلعة عام 1226هـ، 1811م وهرب من نجا منهم إلى شمالي السودان.
محمد علي يحكم مصر
في عام 1222هـ، 1807م تعرضت مصر لحملة بريطانية بقيادة فريزر بغرض الضغط على السلطان العثماني لكي لا يعقد أي اتفاق مع الفرنسيين. واستطاعت الحملة أن تنزل الإسكندرية بعد مقاومة محدودة، وتقدمت إلى القاهرة، إلا أنها عندما مرت بمدينة رشيد، فوجئت بهجوم مكثف من السكان الذين استطاعوا ردها. وكان محمد علي قد أرسل كتيبة من الجند للمشاركة في القتال. وبانتصار أهل رشيد، احتسب محمد علي لنفسه ذلك النصر وبسط نفوذه. بعد ذلك أخذ يدعم حكمه بتنظيم الجهاز الإداري بتركيز الأمور في يده. كما أنشأ نظامًا تعليميًا حديثًا لأول مرة في مصر، واستعان بالخبرات الأجنبية في إجراء مختلف الإصلاحات وأرسل أبناء البلاد للتخصص في أوروبا. وأنشأ المدارس الحربية وجلب الخبراء العسكريين من فرنسا لتدريب ضباطه وبنى بحرية عسكرية ومدنية إلى جانب التطور الهائل الذي طرأ على الزراعة باستصلاح مزيد من الأراضي وشق الترع وإقامة السدود. كذلك قاد حركة تطوير للصناعة المحلية تخلى على إثرها من استيراد كثير من السلع من الخارج ونشطت حركة التجارة المحلية والدولية. ثم أخذ يؤسس جيشًا حديثًا لتوطيد حكمه وبناء إمبراطورية عظمى وكان واضحًا أن محمد علي قد جاء ليؤسس مُلكًا لا ليحكم نيابة عن السلطان العثماني.

أرسل محمد علي جيشًا إلى شبه الجزيرة العربية فاحتل معظم أجزائها، وبعث بجيش آخر ضم به شمال وأواسط السودان إلى دولته، وإن كان قد فقد هناك ابنه إسماعيل الذي أحرقه السودانيون بقيادة المك نمر في منطقة شندي. وبذلك تحقق لمحمد علي حلمه في بناء دولة كبيرة بعيدة عن النفوذ العثماني المباشر. انظر: الدولة السعودية الثانية
.

حكم مصر بعد محمد علي مجموعة من أحفاده، عباس وسعيد وإسماعيل. وقد حاول بعضهم إكمال خطط محمد علي في بناء دولة حديثة، إلا أن أحداثًا كثيرة محلية ودولية اعترضت سبيلهم أحيانًا. كما كان تدخل قناصل الدول العظمى في سياستهم واستبدالهم وإلغائهم أحيانًا لخطط التنمية وتدهور الاقتصاد وتراكم الديون أثرًا في تعطيل تلك المسيرة. ثم كان انسحابهم من الجزء الآسيوي من إمبراطورية محمد علي. وعلى الرغم من تباين مقدرات أولئك الحكام وتباين إنجازاتهم، إلا أنهم التقوا في عدم ولائهم للبلاط العثماني وفي حرصهم على استقلال دولتهم.

كان أهم مشروع أنجز في مصر في تلك الفترة هو حفر قناة السويس الذي أنجز في عهد الخديوي إسماعيل. قاد حفر القناة إلى إيجاد أقصر طريق بين أوروبا والشرق وبالتالي تدفقت التجارة ورؤوس الأموال عبر ذلك الممر مما انعش مصر اقتصاديًا، وحاول إسماعيل مد حدود مصر جنوبًا وتأمين منابع النيل شريان الحياة في مصر، فاستعان بمستكشفين أجانب وصلوا بحدود دولته، ـ وإن كان من الناحية الاسمية فقط ـ إلى منطقة البحيرات. انظر: قناة السويس
.

وعلى الرغم من أن إسماعيل قاد نهضة حقيقية في مصر، وإليه يرجع الفضل في الكثير من الإنجازات الحضارية التي شهدتها، إلا أن الحفاظ على ذلك الكيان فرض عليه التزامات مالية أفرغت الخزينة واضطرته للاقتراض مما قاد إلى تدخل الدول الدائنة، وإلى عزل إسماعيل نفسه وإدخال البلاد تحت قبضة الدول الغربية.

وفي عهد توفيق، الذي تولى الخديوية عام 1296هـ، 1879م، واصل الاقتصاد تدهوره وتذمرت القطاعات المصرية في الجيش؛ فاندلعت الثورة العرابية عام1298هـ، 1881م مطالبة بإصلاحات كثيرة، وقوبلت تلك المطالب في البدء بموافقة الخديوي إلا أن المصالح الحيوية للدول الغربية وبخاصة بريطانيا دفعت بها للتدخل واحتلال مصر عام 1299هـ، 1882م. وفي هذه الأثناء اندلعت الثورة المهدية في السودان وسقطت المدن السودانية الواحدة تلو الأخرى في أيدي الثوار. ثم دخلوا العاصمة الخرطوم وقتل حاكمها غوردون عام 1303هـ، 1885م.
الاحتلال البريطاني لمصر
بقيت مصر طوال فترة الاحتلال البريطاني تحت سيطرة العثمانيين ينوب عنهم خديوي مصر. وفي ذات الوقت عين البريطانيون معتمدًا لينوب عنهم وأوكلوا له مسؤوليات كبيرة. وكان أول هؤلاء المعتمدين هو اللورد كرومر الذي تولى الأمر عام 1301هـ، 1883م. قام كرومر بتسريح الجيش الذي ساند عرابي وتكوين جيش جديد وعلى أسس جديدة. وكوًَّن مجالس استشارية وأدخل تحسينات على القضاء بإدخال نظام المحاكم الأهلية وأجرى إصلاحات اقتصادية حولت العجز في الميزانية إلى فائض. أثناء ذلك أرسلت بريطانيا حملة بقيادة كتشنر للقضاء على الدولة المهدية. وبالفعل خاضت تلك الحملة عدة معارك انتهت بالقضاء على دولة المهدية عام1317هـ، 1899م.

خلف توفيق على خديوية مصر ابنه عباس الثاني عام 1310هـ، 1892م ودخل الأخير في صدام مع كرومر امتد إلى إقامة وتشكيل الوزارات. في هذه الأثناء كان الشعور الوطني ينمو باضطراد فبرز الحزب الوطني بقيادة مصطفى كامل واستغل حادثة دنشواي لإلهاب الشعور الوطني. وفي عام 1330هـ، 1911م أصبح كتشنر معتمدًا بدلاً من جروست الذي خلف كرومر. ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى التي كانت فيها تركيا على طرف نقيض مع بريطانيا. إزاء ذلك وضعت مصر تحت الحماية البريطانية وانتهى الدور العثماني فيها وعزل الخديوي وتحولت إدارة مصر بكاملها إلى مندوب سام بريطاني هو مكماهون. ثم تفجرت ثورة1337هـ، 1919م، التي أدى فيها الزعيم الوطني سعد زغلول دورًا بارزًا. وفي عام 1341هـ، 1922م، مُنِحت مصر استقلالاً مقيدًا من بريطانيا، نُصب بعده فؤاد الأول ملكًا على مصر. ودخلت الحركة الوطنية في نزاع مع بريطانيا تكررت خلاله استقالات الحكومات المتعاقبة. وفي عام1355هـ، 1936م توفي الملك فؤاد ليخلفه ابنه فاروق الذي أطاحت به حركة الضباط الأحرار عام1372هـ، 1952م.
مصر المعاصرة
كان الجيش المصري أحد الجيوش العربية التي خرجت خاسرة في حرب عام 1368هـ، 1948م. وكانت الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية قد شهدت تكوين وإقالة عدد من الوزارات في مصر. وتفاقمت الخلافات بين الأحزاب السياسية فيما بينها من ناحية وساءت علاقتها بالقصر من ناحية أخرى. وعمت المدن المصرية الكبرى مظاهرات وانتفاضات شعبية. وكانت البلاد على حافة انهيار سياسي واقتصادي.
ثورة 23 يوليو 1952م 1372هـ.
وسط هذا المناخ استولت مجموعة من الضباط على مقاليد الأمور في مصر في 23 يوليو 1952م، 1372هـ. وكان على رأس السلطة يومها الملك فاروق الأول. ألغى العسكريون النظام الملكي وطالبوا الملك بالتنحي في 26 يوليو من نفس العام. وبدأ النظام الجديد الذي تولى اللواء محمد نجيب رئاسته مجموعة من الإصلاحات كان أولها قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر عام 1372هـ، 1952م، والذي ضاعف من عدد الأفراد مالكي الأراضي وقضى على سلطة الملاك الإقطاعيين. ثم صدرت قوانين الاستثمار التي تشجع على استثمار رؤوس الأموال الأجنبية في مصر. وفي عام 1374هـ، نوفمبر 1954م، أقيل محمد نجيب وتولى جمال عبدالناصر سلطاته بالإنابة حتى انتخب رئيسًا للجمهورية عام 1375هـ، 1956م.

وفي أبريل عام 1955م، 1374هـ، انعقد في باندونج بإندونيسيا أول مؤتمر لحركة عدم الانحياز بهدف ضم الدول التي تقف على الحياد من صراع المعسكرين الشرقي والغربي لإيجاد صيغة للتعاون بينها لحل مشاكلها السياسية والاقتصادية، ولاتخاذ مواقف موحدة من الصراع الدولي. وكان لمصر دور بارز في هذا المؤتمر الذي خرج بقرارات قوية وبناءة. وربما كان ذلك المؤتمر بداية لضعف الصلات بينها وبين المعسكر الغربي الذي كانت مصر تحت نفوذه بحكم كونها مستعمرة بريطانية سابقة.

اتجهت نية القيادة السياسية الجديدة في مصر إلى إعادة بناء جيشها وتسليحه. فطلبت من الغرب بيعها ما تحتاجه من السلاح. إلا أن الغرب رفض ذلك بحكم أن هذا السلاح ربما يوجه يومًا نحو الدولة اليهودية الوليدة التي يحتضنها. ولم يكن أمام القيادة المصرية سوى الاتجاه إلى المعسكر الشرقي، فعقدت في سبتمبر 1955م، 1374هـ صفقة لشراء الأسلحة من تشيكوسلوفاكيا (السابقة). وكان ذلك فاتحة لعلاقات اقتصادية مع المعسكر الشرقي. فتضاعفت على أثرها الصادرات والواردات من الدول الشرقية وإليها.

وكانت مصر قد تقدمت من قبل إلى الدول الغربية بتمويل بناء السد العالي. وكانت جدوى المشروع تتلخص في حجز مياه النيل المهدرة في البحر وزيادة الرقعة الزراعية في مصر وإيجاد موازنة بين الزيادة الهائلة في السكان وحاجتهم الغذائية، إلى جانب توليد طاقة كهربائية للمشاريع الصناعية المستقبلية. ورفضت الدول الغربية تمويل المشروع، وسحب البنك الدولي عرضًا كان قد تقدم به للمساهمة في التمويل. عندها قررت مصر بناء السد عن طريق تأميم قناة السويس واستخدام عائداتها في بناء السد.
عبد الناصر والصدام مع الغرب.
وفي 26 يوليو 1956م، 1375هـ، أعلن جمال عبدالناصر في الإسكندرية تأميم شركة قناة السويس وحل كل المؤسسات القائمة على إدارتها. وكان الهدف من التأميم هو استخدام إيرادات القناة للمساهمة في تمويل السد ثم إثبات حق مصر في السيادة الوطنية على القناة. غير أن بريطانيا وفرنسا رفضتا قرار التأميم، وقامتا بتجميد الأرصدة المصرية في المصارف الغربية. واستغلتا انشغال الولايات المتحدة بانتخابات الرئاسة والتفات الاتحاد السوفييتي لإخماد ثورة في المجر. وبتنسيق مع إسرائيل وقع العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر 1956م، 1376هـ حيث هاجمت القوات الإسرائيلية سيناء واتجهت نحو القناة. وبدعوى حماية القناة تمَّ إنزال عسكري فرنسي بريطاني تصحبه ضربات جوية على المدن المصرية. ووجه السوفييت في 5 نوفمبر إنذارًا للدول الثلاث بضرورة وقف العدوان والانسحاب وإلا فإن السوفييت مصممون على سحقه وإعادة السلام إلى المنطقة. بعده أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بوقف إطلاق النار بعد أن حال حق بريطانيا وفرنسا في النقض من استصدار قرار من مجلس الأمن. وتوقف القتال في 7 نوفمبر 1956م، 1376هـ.

في هذه الأثناء كانت الثورة الجزائرية تستعر ضد الاستعمار الفرنسي، وكانت مصر سندًا قويًا لها. ورفضت مصر عدة مشاريع غربية كمشروع أيزنهاور ومن قبله حلف بغداد. وفي فبراير 1958م، 1378هـ قرر مجلس النواب السوري، بعد إجراء مشاورات، إقامة اتحاد فيدرالي مع مصر. فأعلنت الوحدة بين سوريا ومصر، وقامت الجمهورية العربية المتحدة. وفي يوليو 1958م، 1378هـ استولى الجيش على السلطة في العراق، مما قاد إلى تقارب بين القاهرة وبغداد. وكان رد الفعل الغربي تجاه هذه التطورات وتطورات أخرى في المنطقة، أن تمَّ إنزال أمريكي في لبنان وآخر بريطاني في الأردن. ثم وقع انقلاب في سوريا في سبتمبر 1961م، 1381 أدَّى إلى انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة.

وفي عام 1967م ازدادت التحرشات الإسرائيلية لسوريا. وإزاء هذه التحرشات أغلقت مصر القناة في وجه الملاحة الإسرائيلية عام 1387هـ، 1967م. وفي 5 يونيو من ذات العام وقع العدوان الإسرائيلي على مصر. إلا أن مصير المعركة كان محسومًا منذ بدايتها بعد أن ضُرِب سلاح الجو المصري في الساعات الأولى من القتال وانسحب الجيش المصري من سيناء إلى غرب القناة.
حرب رمضان 1393هـ، أكتوبر 1973م.
دخلت مصر في السنوات التالية في محاولة لإعادة تسليح جيشها، ودخلت حرب استنزاف مع إسرائيل استعدادًًا لمعركة تحرير سيناء. وقد دامت هذه الحرب أكثر من عامين ونصف، فتقدمت على أثرها أمريكا بمبادرة روجرز في يوليو عام 1390هـ، 1970م اقترحت فيها على مصر وقف الحرب وبدء مفاوضات سلام. وفي سبتمبر 1970م، 1390هـ توفي الرئيس جمال عبدالناصر فجأة في نهاية مؤتمر قمة عربي عقد لوقف القتال بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية. وجاء محمد أنور السادات الذي كان قد عين في سبتمبر 1968م، 1388هـ نائبا لرئيس الجمهورية ليخلف عبدالناصر. وتمَّ انتخابه رئيسًا للجمهورية في أكتوبر 1970م، 1390هـ.

بعد فشل مبادرة روجزر وكل المشاريع السلمية التي طرحت في المنطقة لحل الصراع العربي الإسرائيلي عن طريق المفاوضات قررت مصر وسوريا استخدام الضغط العسكري على إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. اندفعت قوات ضاربة من الجيش المصري ظهر يوم السبت العاشر من رمضان 1393هـ، السادس من أكتوبر 1973م فعبرت القناة وحطّمت خط بارليف الحصين وبنى رؤوس جسور عبرت عليها المدرعات والدبابات وتقدمت بعد ست ساعات فقط لتستعيد جزءًًا كبيرًا من أرض سيناء التي غابت عنه نحو ست سنوات. ورغم أن بعض القوات الإسرائيلية استطاعت أن تعبر إلى شرق القناة خلال ثغرة الدفرسوار إلا أن المعركة كانت في مجملها نصرًا لمصر. وعلى الجانب السوري من الجبهة كانت قطاعات باسلة من الجيش السوري قد استطاعت أن تخترق الاستحكامات العسكرية للعدوان لتستعيد أجزاء من مرتفعات الجولان السورية.
معاهدة كامب ديفيد.
دخلت مصر خلال فترة حكم السادات في سياسة انفتاح اقتصادي، ثم لبى السادات دعوة إسرائيلية لزيارة القدس. وبدأ مرحلة تطبيع للعلاقات مع إسرائيل بعد أن وقع معها اتفاقية كامب ديفيد. أثار ذلك الحدث ردود فعل سيئة في معظم الدول العربية والإسلامية مما قاد إلى قطع تلك الدول علاقاتها مع مصر، وعُلقت عضوية مصر في تلك المنظمات. وفي 6 أكتوبر 1981م (1401هـ) قامت مجموعة من ضباط الجيش باغتيال السادات وهو يشارك في الاحتفالات بذكرى العبور، وكان قد ألقى في السجون خلال شهر سبتمبر عام 1981م، 1401هـ نحو 5,000 مصري منهم العشرات من المفكرين والكتاب والسياسيين.

تولى محمد حسني مبارك نائب رئيس الجمهورية وقتها، مقاليد الأمور. وقد شهد عهده تنفيذ المرحلة الثالثة من اتفاقية كامب ديفيد بإتمام انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء. وقد حرص الرئيس حسني مبارك الذي جددت رئاسته لفترة ثالثة في استفتاء عام 1993م، ولفترة رابعة عام 1999م، على تحسين علاقات مصر بالدول العربية والعمل على أن تقوم بدورها المهم الذي يوجبه وضعها العربي والإسلامي.

أدت مصر دورًا مؤثرًا في المفاوضات العربية الإسرائيلية التي كان نتيجتها توقيع اتفاق الحكم الذاتي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أسهمت في إعداد الكوادر الفلسطينية التي تقوم بإدارة شؤون الحكم الذاتي في غزة وأريحا. استضافت القاهرة مؤتمر القمة العربي الطارئ الذي عقد في نوفمبر 2000م، لنصرة انتفاضة المسجد الأقصى التي قدمت مئات الشهداء وآلاف الجرحى.