5/06/2010

خباب بن الأرتّ


مقدمة

هو خباب بن الأرتّ بن جندلة التميمي، ويقال خزاعي أبو عبد الله سُبِي في الجاهلية فبيع في مكة فكان مولى أم أثمار الخزاعية، وقيل غير ذلك، ثم حالف بني زهرة وكان من السابقين الأولين، قال ابن سعد: بيع بمكة، ثم حالف بني زهرة وأسلم قديماً، وكان من المستضعفين.

حاله في الجاهلية:

دفعت أم أنمار غلامها إلى أحد الحدادين في مكة ليعلمه صناعة السيوف فما أسرع أن أتقن الغلام الصنعة وتمكن منها أحسن تمكن.

ولما اشتد ساعد خباب وصلب عوده استأجرت أم أنمار دكاناً واشترت له عدة، وجعلت تستثمر مهارته في صنع السيوف.

لم يمض غير قليل على خباب حتى شهر في مكة وجعل الناس يقبلون على شراء سيوقه، لما كان يتحلى به من الأمانة والصدق وإتقان الصنعة..

فقد كان خباب على الرغم من حداثة سنه يتحلى بعقل الكلمة وحكمة الشيوخ..

وكان إذا ما فرغ من عمله دخلاً إلى نفسه كثيراً ما يفكر في هذا المجتمع الجاهلي الذي غرق في الفساد من أخمص قدميه إلى قمة رأسه.

ويقول ما ران على حياة العرب من جهالة وضلالة عمياء، كان هو نفسه أحد ضحاياها.

وكان يقول لابد لهذا الليل من أخر.. وكان يتمنى أن تمتد به الحياة ليرى بعينه مصرع الظلام ومولد النور..




إسلامه

لم يطل انتظار خباب كثيراً فقد ترامى إليه أن خيطاً من نور قد تألق من فم فتى من خيرة بني هاشم يدعى محمد بن عبد الله، فمضى إليه وسمع منه فغمره سناه، فبسط يده إليه وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فكان سادس ستة أسلموا على ظهر الأرض حتى قيل امضي على خباب وقت وهو سدس الإسلام...

وقد أسلم خباب قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم...

أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:

روى البخاري بسنده عن خباب قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت يا رسول الله ألا تدعو الله فقعد وهو محمر وجهه فقال لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله زاد "بيان" - أحد رواة الحديث - والذئب على غنمه.

وفي البخاري أيضًا عن قيس قال أتينا خباب بن الأرت نعوده وقد اكتوى سبعا فقال لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به.


أهم ملامح شخصيته

جرأته:

لم يكتم خباب إسلامه عن أحد، فما لبث أن بلغ خبره أم أنمار فاستشاطت غضباً وتميزت غيظاً وصحبت أخاها "سباع بن عبد العزي" ولحق بهما جماعة من فتيان خزاعة ومضراً جميعاً إلى خباب فوجدوه منهمكاً في عمله فأقبل عليه سباع وقال لقد بلغنا عنك نبأ لم نصدقه. فقال خباب وما هو؟

فقال سباع: يشاع إنك صبأت وتبعت غلام بن هاشم. فقال خباب في هدوء ما صبأت وإنما آمنت بالله وحده لا شريك له ونبذت أصنامكم وشهدت أن محمداً رسول عبد الله ورسوله.

فما إن لامست كلمات خباب مسامع سباع ومن معه حتى انهالوا عليه وجعلوا يضربونه بأيديهم ويركلونه بأقدامهم ويقذفونه بما يصلون إليه من المطارق وقطع الحديد.

حتى هوى على الأرض فاقد الوعي والدماء تنزف منه..

سرى في مكة خير ما جرى بين خباب وسيدته سريان النار في الهشيم..

وذهل الناس من جرأة خباب إذ لم يكونوا قد سمعوا من قبل أن أحداً اتبع محمداً ووقف بين الناس يعلن إسلامه بمثل هذه الصراحة والتحدي.

واهتز شيوخ قريش لأمر خباب.. فما كان يخطر على بالهم أن قيناً كقين أم أنمار لا عشيرة له تحميه ولا عصبية عنده تمنعه وتؤويه، تصل به الجرأة إلى أن يخرج على سلطانها، ويجهر بسب آلهتها ويسفه دين أبائها وأجدادها أيقنت قريش ان هذا اليوم له ما بعده..

ولم تكن قريش على خطأ فيما توقعته، فلقد أغرت جرأة خباب كثيراً من أصحابه بأن يعلنوا إسلامهم، فطفقوا يصدعون بكلمة الحق واحداً بعد الآخر.

ثباته على الإسلام وصبره:

رغم كل ما تعرض له من التعذيب الشديد على يد مشركي مكة إلا أنه رضي الله عنه ثبت على الحق ولم يغيّرولم يبدّل، وقد يستعملون معه رضي الله عنه كل أنواع الإغراءات، ليرتد عن دينه، يروى البخاري بسنده عن خباب قال كنت قينا بمكة فعملت للعاص بن وائل السهمي سيفا فجئت أتقاضاه فقال لا أعطيك حتى تكفر بمحمد قلت لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى يميتك الله ثم يحييك قال إذا أماتني الله ثم بعثني ولي مال وولد فأنزل الله أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدًا.

خوفه رضي الله عنه:

روى أحمد عن خباب قال هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتغي وجه الله تبارك وتعالى فوجب أجرنا على الله عز وجل فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم نجد شيئا نكفنه فيه إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي بها رأسه ونجعل على رجليه إذخرا ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها يعني يجتنيها.

وقد اغتني خباب في الشطر الأخير من حياته بعد فقر، وملك ما لم يكن يحلم به من الذهب والفضة.. غير أنه تصرف في ماله على وجه لا يخطر ببال أحد...

فقد وضع دراهمه ودنانيره في موضع بيته يعرفه ذوو الحاجات من الفقراء والمساكين.

ولم يشدد عليه رباطاً ولم يحكم عليه قفلاً فكانوا يأتون داراه ويأخذوه منه ما يشاءون دون سؤال أو استئذان.

ومع ذلك فقد كان يخشى أن يحاسب على ذلك المال وأن يعذب بسببه.


بعض المواقف من حياته

مع الرسول صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الله بن خباب بن الأرت عن أبيه وكان قد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه راقب رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة كلها حتى كان مع الفجر فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته جاءه خباب فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت نحوها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجل إنها صلاة رغب ورهب سألت ربي عز وجل فيها ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألت ربي عز وجل أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها وسألت ربي عز وجل أن لا يظهر علينا عدوا من غيرنا فأعطانيها وسألت ربي أن لا يلبسنا شيعا فمنعنيها".

قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان وابن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن خباب. قال: شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم شدة الرمضاء فما أشكانا يعني في الصلاة وقال ابن جعفر: فلم يشكنا...

مع الصحابة:

دخل خباب بن الأرت رضي الله عنه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجلسه على متكئه وقال: ما على الأرض أحد أحق بهذا المجلس من هذا إلا رجل واحد، قال له خباب من هو يا أمير المؤمنين؟ قال بلال، فقال خباب: ما هو بأحق مني، إن بلالاً كان له في المشركين من يمنعه الله به، ولم يكن لي أحد يمنعني، فلقد رأيتني يوماً أخذوني فأوقدوا لي ناراً ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتّقيت الأرض إلا بظهري، قال ثم كشف عن ظهره فإذا هو قد برص، رضي الله عنه...

مع التابعين:

عن قيس بن أبي حازم قال أتينا خباب بن الأرت نعوده وقد اكتوى في بطنه سبعاً فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعوا بالموت لدعوت به فقد طال مرضي ثم قال أن أصحابنا الذين مضوا لم تنقصهم الدنيا شيئاً وإنا أعطينا بعدهم ما لا نجد له موضعاً إلا التراب وشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برداءه له في ظل الكعبة فقلنا يا رسول الله ألا تستنصر الله لنا؟

فجلس محمراً وجهه فقال: والله لقد كان من قبلكم يؤخذ فتجعل المناشير على رأسه فيفرق فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر الموت لا يخاف إلا الله تبارك وتعالى والذئب على غنمه.

أثره في الآخرين

أثر خباب في إسلام عمر رضي الله عنهما:

كان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن، فخرج عمر يوماً متوشحاً سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطاً من أصحابه فذكروا له أنهم اجتمعوا في بيت عند الصفا وهم قريب من أربعين من بيت رجال وونساء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم في رجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة فلقيه نعيم عبد الله فقال: أين تريد يا عمر؟ قال أريد محمداً هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله.

فقال له نعيم والله لقد غرتك نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمد؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم قال: وأي اهل بيتي قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد واختك فاطمة فقد والله أسلما وتابعا محمداً صلى الله عليه وسلم فعليك بهما، فرجع عمرعائداً إلى أخته فاطمة وعندها خباب بن الأرت معه صحيفة فيها "طه" يقرئها إياها فلما سمعوا صوت عمر تغيب خباب في مخدع لهم، أو في بعض البيت وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها وقد سمع عمر حين دنا من الباب قراءة خباب عليهما: فلما دخل قال: ما هذه الهيمنة التي سمعت؟ قالا له: ما سمعت شيئاً، قال: بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمداً على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد. فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجها، فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه نعم لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك، فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع وأرعوي - ارتد وكف - وقال لأخته أعطيني الصحيفة التي كنتم تقرءون آنفاً أنظر ما هذا الذي جاء به محمداً وكان عمر كاتباً فلما قال ذلك قالت له أخته إنا نخشاك عليها، قال: لا تخافي وحلف لها بألهته ليردنها إذا قرأها إليها، فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت: يا اخي إنك نجس على شركك، وإنه لا يمسه إلا المطهرون، فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها "طه" فقرأها، فلما قرأ منها صدراً، قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه، فلما سمع ذلك خباب بن الأرت خرج إليه فقال له: والله يا عمر إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه صلى الله عليه وسلك فإني سمعته أمس وهو يقول: "اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب" فالله الله يا عمر فقال عند ذلك: فدلني يا خباب على محمد حتى أتيه فأسلم. فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا معه نفر من أصحابه....وذهب عمر رضي الله عنه وأسلم

وفاته:

حدث جماعة من أصحابه فقالوا: دخلنا على خباب في مرض موته فقال: إن في هذا المكان ثمانين ألف درهم والله ما شردت عليها رباطاً قط ولا منعت منها سائلاً قط ثم بكى..

فقالوا له ما يبكيك؟

فقال: أبكي لأن أصحابي مضوا ولم ينالوا منه أجورهم في هذه الدنيا شيئاً وأنني بقيت فنلتُ من هذا المال ما أخاف أن يكون ثواباً لتلك الأعمال..

توفي خباب بالكوفة سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة وصلى عليه علي بن أبي طالب حين منصرفه من صفين وهو أول من قبر يظهر في الكوفة

ولما لحق خباب بجوار ربه وقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه على قبره وقال: رحم الله خباباً، فلقد أسلم راغباً وهاجر طائعاً وعاش مجاهدًا...

من مراجع البحث:

الإصابة في تمييز الصحابة.................. ابن حجر

البداية والنهاية........................... ابن كثير

صفة الصفوة............................ ابن الجوزي

صور من حياة الصحابة................... عبد الرحمن رأفت باشا